حكايات أهل الفن

حكاية أغنية «إيه ذنبي إيه؟»

ت + ت - الحجم الطبيعي

وراء كل أغنية قصة، بل معاناة حتى اكتمالها وتصديرها للجمهور ليستمع لها. وأغنية «إيه ذنبي إيه، ما تقوللي عليه، تخاصمني ليه، لما انت حبيبي» التي غناها العندليب الأسمر عبدالحليم حافظ (1929 ــ 1977) من كلمات مأمون الشناوي (1914 ــ 1994) وألحان موسيقار الأجيال محمد عبدالوهاب (1902 ــ 1991) في منتصف الخمسينات وحققت نجاحاً مدوياً، بل اعتبرت من الألحان العبقرية لعبدالوهاب بشهادة مختلف الموسيقيين، وراءها قصة روتها المذيعة المصرية الشهيرة سامية صادق على صفحات إحدى المجلات القاهرية ضمن صفحة «أغنية الشهر».

لم تكن هذه الأغنية ضمن الأغاني الأربع التي اتفق على تضمينها فيلم «أيام وليالي» الذي أنتجه محمد عبدالوهاب سنة 1955 من إخراج هنري بركات وبطولة عبدالحليم حافظ وإيمان بمشاركة كل من: أحمد رمزي وعقيلة راتب ومحمود المليجي وسراج منير وكمال حسين. غير أن المخرج ارتأى إضافة مشهد، ووافقه عبدالوهاب على ذلك، وعليه كلف الأخير صديقه الشاعر الغنائي مأمون الشناوي كي يصوغ كلمات أغنية جديدة تناسب المشهد الإضافي وتعبر عن مضمونه، كي يقوم عبدالوهاب بتلحينها، ثم تتم إضافتها إلى الأغاني الأربع المقررة وهي: «توبة»، «شغلوني»، «عشانك يا قمر»، «أنا لك على طول».

وهكذا سارع الشناوي إلى تلبية طلب الموسيقار الكبير، وراح يفكر في الكلمات المناسبة وهو في طريقه إلى بيته. وفي بيته حاول أن يكتب فكتب بالفعل المقطع الذي يقول «الروح وياك، والقلب معاك، ولإمتى جفاك، لما انت حبيبي»، لكن الضجيج الذي كان يفتعله أولاده في المنزل قطع عليه حبل أفكاره. ورغم أنه خرج إليهم غاضباً وعاقبهم بالضرب كي يلتزموا الهدوء، إلا أن شيئاً من ذلك لم يحدث، الأمر الذي اضطر معه أن يغادر مسكنه إلى مسكن شقيقه الشاعر كامل الشناوي (1908 ــ 1965)، عله يجد جواً هادئاً يستطيع فيه الاختلاء بنفسه لمواصلة الكتابة.

في منزل كامل الشناوي، دخل مأمون إحدى الغرف وأغلق على نفسه جميع الأبواب والنوافذ وجلس يكتب نصاً غنائياً من وحي المشهد الذي شرح عبدالوهاب وبركات تفاصيله له، فنجح ليخرج مسرعاً إلى التليفون ويقرأ ما كتبه على أسماع عبدالوهاب هاتفياً.

بعد ذلك بدأت معاناة التلحين، حيث ذكر عبدالوهاب أنه لحن الجزء الأول من الأغنية في خمس دقائق ودرب عبدالحليم عليه، فكان رائعاً في استجابته للكلمات واللحن، لكن الجزء الثاني من الأغنية استغرق منه تلحينه خمسة أيام كاملة، كان خلالها يفكر باللحن في كل مكان.. في البيت وفي المكتب وفي الطريق وفي السيارة وفي المطعم وفي المقهى وفي المصعد، إلى أن انتهى لتبدأ عملية التسجيل التي لم تكن هي الأخرى سهلة!

حيث تم التسجيل أول مرة ولم يكن متقناً من الناحية الفنية، ثم تمت عملية تسجيل ثانية فلم تعجب عبدالوهاب، لتتبعها محاولة ثالثة بالتسجيل على أسطوانات كايروفون، ومحاولة رابعة للتسجيل على شريط من مسرح سينما قصر النيل. تقول سامية صادق إن التسجيل الذي نسمعه من الإذاعات لهذه الأغنية الرائعة المليئة بالشجن والعتاب واللوعة هو ثمرة المحاولتين الثالثة والرابعة، مضيفة أنها كانت تتلقى في اليوم الواحد نحو 1200 رسالة يطلب فيها أصحابها إذاعة الأغنية من «هنا القاهرة».

والمعروف أن مأمون الشناوي كتب كلمات مجموعة من أنجح أغاني العندليب منها: «أنا لك على طول»، «من زمان»، «لو كنت يوم أنساك»، «كفاية نورك علي»، «صدفة»، «خسارة يا جارة»، «حلو وكداب»، «حلفني»، «بيني وبينك»، «بعد إيه»، «أقول ما قولش».

Email