حكايات أهل الفن

إبراهيم آل خليفة.. أول بحريني ينال بكالوريوس العلوم العسكرية

ت + ت - الحجم الطبيعي

يعود تاريخ تأسيس الشرطة في البحرين إلى منتصف القرن 19 حينما كانت البلاد تحت الحماية البريطانية.

ففي عام 1860 تولدت قناعة لدى الحاكم آنذاك الشيخ عيسى بن علي بضرورة إنشاء حرس يوفر الأمن والاستقرار في ربوع البحرين، فأمر بتشكيل مجموعات عـُرفت بـ «الفداوية» للتمركز في المنامة والمحرق وغيرهما، على رأس كل منها شخص بمسمى «أمير الفداوية».

وحينما شرعت البحرين الأخذ بالتنظيمات الإدارية الحديثة في أواخر العقد الثاني من القرن العشرين وتأسست بلدية المنامة سنة 1919 قامت الأخيرة بتشكيل فصيل لتطبيق النظام والقانون وحراسة الأسواق التجارية والمنشآت الحكومية ليلاً، أطلق عليه «النواطير».

وهكذا مثّل «الفداوية» و«النواطير» النواة الأولى لشرطة البحرين النظامية التي صدر قانون في 20 يوليو 1920 بإنشائها على أن تتبع المجلس البلدي.

 

 

وقتذاك كان عدد قوات شرطة البحرين لا يتجاوز مائتي فرد.

أما لجهة الشخصيات التي تولت قيادة شرطة البحرين، فقد تناوب على المنصب الكابتن البريطاني «كامبل»، الذي خلفه مواطنه الكابتن «جيك» المعار من جيش الهند البريطانية.

كما تولى القيادة الميجور «كلايف كيرباتريك ديلي» الذي شغل منصب المعتمد البريطاني في البحرين من عام 1921 وحتى عام 1926، والكابتن «إل. إس. بارك» الذي عمل مستشاراً للميجور ديلي ثم تولى قيادة الشرطة من نوفمبر 1929 وحتى أبريل 1932.

وكان يحل محل الكابتن بارك أثناء سفره لقضاء إجازاته مستشار حكومة البحرين البريطاني «سير تشارلز بلغريف»، علماً أنه بعدما ترك بارك منصبه وغادر البلاد نهائياً سنة 1932 أضاف بلغريف هذا المنصب إلى مناصبه العديدة الأخرى.

وفي عام 1939 تولى قيادة شرطة البحرين الشيخ خليفة بن محمد آل خليفة الذي قام بنقلة تنظيمية وتحديثية نوعية كان من ثمارها تأسيس فرقة الخيالة للحفاظ على الأمن على طول سواحل البلاد الشمالية والغربية، إضافة إلى تقديم العروض العسكرية، وإنشاء فرقة موسيقى الشرطة التي أمتعت الجمهور بأعذب الألحان في الأعياد والمناسبات الوطنية والرياضية.

وقد تعززت وتطورت تلك الإصلاحات في حقبة تولى الشيخ محمد بن سلمان آل خليفة رئاسة الشرطة والأمن العام من عام 1961 إلى 1965، حيث استثمر ما تلقاه من علوم شرطية وأمنية حديثة في بريطانيا في إحداث تقسيمات إدارية جديدة ووضع التشريعات اللازمة لمكافحة الجريمة والارتقاء بالأنظمة المرورية.

كانت تلك مقدمة للحديث عن المرحوم الشيخ إبراهيم بن محمد آل خليفة الذي دخل تاريخ وطنه كأول بحريني يدرس العلوم العسكرية والأمنية أكاديمياً ويتخرج حاملاً بكالوريوس العلوم العسكرية من مصر، قبل أن ينخرط في سلك وزارة الداخلية ويتنقل بين إداراتها المختلفة مترقياً من رتبة إلى أخرى منذ منتصف خمسينات القرن العشرين وحتى تاريخ تقاعده ثم وفاته.

وعليه، كان الشيخ إبراهيم شاهداً ومعاصراً للكثير من التطورات والتحولات التي شهدتها منظومة الأمن والشرطة والمرور البحرينية، ومشاركاً في صناعتها بروح مقدامة وانضباط مشهود. ومما يذكر له، رحمه الله، دوره الكبير في تغيير نظام السير في البلاد من اليسار إلى اليمين بنجاح بدءاً من 17 نوفمبر 1967م.

ولد الشيخ إبراهيم بن محمد بن عبدالله بن عيسى بن علي بن خليفة بن سلمان بن أحمد الفاتح بن محمد بن خليفة آل خليفة بمدينة المحرق سنة 1936، داخل بيت العائلة الكبير بفريج الشيوخ.

والده هو الشيخ محمد بن عبدالله بن عيسى بن علي آل خليفة الذي تزوج للمرة الثالثة من الشيخة «نجلاء بنت خالد بن علي آل خليفة» التي أنجبت له أولاً الشيخة لولوة سنة 1928 ثم ستة من الذكور هم الشيوخ خالد فعبد الرحمن، ثم التوأمان عبد العزيز وسلمان، ثم إبراهيم، وأخيراً عيسى الذي كان في الثانية من عمره حينما توفي والده، علماً أن الشيخ محمد توفي شاباً في 2 مارس 1939 عن عمر ناهز 38 سنة، تاركاً عبء تربية وتنشئة أطفاله الذكور على كاهل أمهم وشقيقتهم الكبرى لولوة.

وبالإطلاع على كتاب «لولوة.. سيرة الحلو والمر» لحسين المحروس، نجد أن الأب (الشيخ محمد) حاول في حياته أن يكون بيته فريداً لا يشبه بيوت الآخرين من أقرانه، فزوده بالكهرباء والمياه النقية، وجلب له الأرائك والكراسي والمناضد من الهند، فجسـد بذلك وعياً مبكراً بالحياة العصرية على الرغم من قلة أسفاره إلى الخارج.

ومن دلائل وعيه المبكر أيضاً أنه كان ذا حماس وطني متقد، ومغرماً بالأدب وهموم أمتيه العربية والإسلامية، بدليل ترؤوسه نادياً أدبياً لمدة عشرة أعوام ما بين سنتي 1920 و1930. لكن رئاسته لهذا النادي جلبت له الصداع وأدخلته في مشكلات مع المعتمد البريطاني الميجور «ديلي»، وكان السبب استضافته بين الفينة والأخرى لعدد من النشطاء المحليين والعرب لإلقاء المحاضرات والقصائد الوطنية.

وكنتيجة لمضايقات الميجور ديلي له قام الشيخ محمد بن عبدالله بإرسال شكوى ضده إلى الحكومة البريطانية، فلما علم ديلي بالأمر نكل بالشيخ ورفاقه في النادي الأدبي وخيـرهم ما بين مغادرة البحرين أو دفع غرامة مالية بقيمة 5000 روبية. وتمكن من دفع الغرامة المفروضة.

أما والدة الشيخ إبراهيم «الشيخة» نجلاء بن خالد بن علي آل خليفة، فقد ولدت بالرفاع سنة 1912 كثمرة لزواج الشيخ خالد بن علي آل خليفة والشيخة لطيفة بنت عبد الرزاق آل خليفة.

وقد ذكرت ابنتها الوحيدة الشيخة لولوة في الكتاب آنف الذكر أن الأم (الشيخة نجلاء) تزوجت من الأب (الشيخ محمد)، وتوفي عنها زوجها وهي في السابعة والعشرين، وأنها لم تدخل المدارس ولم تسافر إلى خارج البحرين إلا مرة واحدة لأداء فريضة الحج رفقة زوجها. لكنها ثقفت نفسها بنفسها من خلال الاختلاط بالمدرسات.

وأضافت إن الشيخة نجلاء قررت بعد وفاة زوجها أن ترافق أولادها عبد الرحمن وسلمان وعبد العزيز في رحلتهم الدراسية إلى مصر، حيث قامت بنفسها بإتمام إجراءات تسجيلهم، واستأجرت لهم بيتاً في ضاحية حلوان، بعيداً عن ضجيج القاهرة، وبقيت معهم ترعاهم وتشرف على شؤونهم، ثم فعلت الشيء ذاته مع ابنيها الآخرين، الشيخ إبراهيم والشيخ عيسى، بمجرد إتمامهم المرحلة الابتدائية في البحرين.

وظلت هناك، في مصر، إلى أن توفيت في 6 أكتوبر 1991. وفي مصر قامت الشيخة نجلاء بتحويل منزلها في حلوان إلى صالون ثقافي تجري فيه الحوارات السياسية والأدبية، ويتردد عليه الناس بمختلف اتجاهاتهم ومناصبهم، وذلك في واحدة من تجليات شغفها بالثقافة والعلم والمعرفة.

وعليه فإن الشيخ إبراهيم هو حفيد الشيخ عبدالله بن عيسى آل خليفة، والأخير هو أحد أبناء حاكم البحرين التاسع الشيخ عيسى بن علي، وأخو حاكم البحرين العاشر الشيخ حمد بن عيسى آل خليفة وعم حاكم البحرين الحادي عشر الشيخ سلمان بن حمد آل خليفة، وأحد رموز العائلة الحاكمة التاريخيين، والشخصية التي ساهمت في تأسيس نظام البلديات ونظام التعليم الحكومي في البحرين.

ومن جهة أخرى فإن الشيخ إبراهيم هو شقيق الشيخة لولوة التي تعد أحد رموز العمل النسائي والخيري في البحرين ومؤسسة «جمعية رعاية الطفولة والأمومة»، أول كيان نسائي معترف به في البحرين والخليج، وهو أيضاً شقيق كل من الشيخ عبد العزيز بن محمد آل خليفة، الذي شغل حقيبة التربية والتعليم من عام 1972 وحتى تاريخ وفاته عام 1981، والشيخ عيسى بن محمد آل خليفة مؤسس جمعية الإصلاح الإسلامية بالمحرق ووزير العدل في الفترة من 1973 إلى 1974 ثم وزير العمل من 1975 إلى 1980.

بدأ الشيخ إبراهيم مسيرته التعليمية بالالتحاق بأحد كتاتيب المحرق التقليدية، فحفظ القرآن، ثم انتقل إلى مدرسة الهداية الخليفية، حيث أنهى مرحلة الدراسة الابتدائية.

بعد ذلك سافر إلى مصر لاستكمال المرحلة الثانوية التي أنهاها سنة 1950 بمدرسة حلوان الثانوية القديمة بحصوله على شهادة التوجيهية العامة (شعبة العلوم). وبهذه الشهادة قرر أن يواصل تعليمه الجامعي، فالتحق بالكلية الحربية المصرية، مخالفاً أشقاءه سلمان وعبد العزيز وعيسى الذين اختاروا الالتحاق بكليات الهندسة والآداب والحقوق على التوالي.

في عام 1956 تخرج، حاملاً بكالوريوس العلوم الحربية، ليلتحق فوراً بدورة تدريبية لمدة ستة أشهر في سلاح المدرعات التابع للقوات المسلحة المصرية، حيث زامل العديد من الضباط المصريين وارتبط معهم بصداقات متينة.

وفي أعقاب انتهاء الدورة التدريبية هذه عاد إلى البحرين فابتعثته الحكومة إلى انجلترا في العام نفسه (1956) لخوض دورة أسلحة وتكتيك بكلية «هايسنس ووريستر» الحربية، وهناك تحول إلى العمل الأمني من خلال الالتحاق بمدرسة البوليس في لندن التي أمضى بها قرابة 3 أشهر. وهكذا، حينما عاد إلى البحرين سنة 1957 تم تعيينه في إدارة التدريب والعمليات بدائرة الشرطة والأمن العام برتبة ملازم ثاني.

كان ذلك التعيين بمثابة خطوة أولى في مسيرته الوظيفية التي امتدت لسنوات طويلة تنقل خلالها بين العديد من إدارات وزارة الداخلية.

فمن إدارة التدريب والعمليات بالشرطة والأمن العام إلى الإدارة العامة للمرور والتراخيص سنة 1961، التي ترقى فيها عام 1963 وأصبح مديراً لها حتى عام 1977، ليعود في تلك السنة إلى إدارة الأمن العام ويصبح نائباً لمديرها ويرقى إلى رتبة لواء في العام 1987.

في عام 1993 كان الشيخ إبراهيم على موعد مع ترقية وظيفية جديدة، حيث صدر في تلك السنة مرسوم أميري بتعيينه وكيلاً لوزارة الداخلية، وفي عام 2001 تمت ترقيته إلى رتبة فريق مع بقائه ممسكاً بمنصبه، واستمر كذلك إلى أن صدر قرار في عام 2003 بتعيينه مستشاراً عاماً بوزارة الداخلية بدرجة وكيل وزارة.

وطوال سنوات عمله هذه أتيحت للرجل المشاركة باسم البحرين في العديد من المؤتمرات والاجتماعات ذات الصلة بوظائفه على المستويات العربية والخليجية والإقليمية، فأبلى بلاءً حسناً.

في 28 ديسمبر سنة 2009 وافته المنية عن عمر ناهز 73 عاماً، فنعاه الديوان الملكي، مشيداً بدوره كأحد رجالات الوطن المخلصين وأحد رواد الشرطة الأوائل ممن ساهموا في نهضة الوطن وتطوير أنظمة المرور والتراخيص. وتخليداً لذكراه وإنجازاته تم إطلاق اسمه على أحد الشوارع في مسقط رأسه بالمحرق.

تميز الفقيد بشخصية كاريزمية محبوبة، وكانت له مساهمات ومشاركات في الأنشطة والفعاليات الرياضية والاجتماعية، ولاسيما أنشطة نادي المحرق الذي قام بتخليد ذكراه منذ عام 2017 من خلال تنظيم بطولة رياضية في كرة القدم باسمه في شهر رمضان من كل عام.

Email