رغم أن الانتخابات الرئاسية لن تحصل قبل خمسة عشر شهراً، إلا أن الانتخابات التمهيدية لتمثيل أحد الحزبين الرئيسين، الجمهوري والديمقراطي، في الانتخابات الرئاسية في نوفمبر 2024، يستهل مع بداية العام المقبل

. جرت العادة أن يتقدم عدة شخصيات سياسية في الانتخابات التمهيدية للفوز ببطاقة المرشح الأوحد عن حزبه.

وللتذكير، فإن الانتخابات السابقة في 2020، تقدم عدة مرشحين لانتخابات الحزب الديمقراطي، من بينهم الرئيس الحالي جو بايدن، ونائبة الرئيس كاميلا هاريس.

وعندما استشعر المرشحون الآخرون أن الانتخابات بدأت تحسم لصالح بايدن، انسحب الجميع، وفاز بايدن كمرشح لحزبه الديمقراطي، وهو من اختار نائبته هاريس.

ولأن الترشيح في الحزب الحاكم (حينها الحزب الجمهوري)، فإن الانتخابات التمهيدية مالت—كالعادة— إلى صالح الرئيس في البيت الأبيض، أي دونالد ترمب.

وقد حسم انتخابه كمرشح الحزب الجمهوري في بدايات الانتخابات التمهيدية، حين حصل على أصوات كافية لترشحه ونائبه مايكل بنس، في الانتخابات الرئاسية في نوفمبر 2020.

أما في الانتخابات الرئاسية لسنة 2024، فإن الحزب الجهوري هو من يشهد تقاطر المرشحين في الانتخابات التمهيدية للوصول إلى بطاقة الترشح عن الحزب الجمهوري.

ورغم أن بايدن يواجه منافساً للترشح عن الحزب الديمقراطي، روبرت كينيدي الابن، وهو سليل عائلة كينيدي الشهيرة، إلا أن ترشح الرئيس بايدن عن الحزب الديمقراطي، بات محسوماً.

ولكن الحزب الجمهوري، مثل أمريكا، منقسم على نفسه. الاستقطاب يعود إلى ترامب وأنصاره من يمين الحزب، والذين يرون أن مرشحهم يواجه حملة سياسية من اليسار والديمقراطيين، لمنعه من تولي الرئاسة مرة أخرى. وأن الانتخابات المنصرمة في 2020، سرقت من ترامب بفعل فاعل.

وما هذه المحاكمات إلا لعبة سياسية، يديرها الرئيس بايدن من البيت الأبيض، بالتواطؤ مع وزير العدل، والذي يعمل بإمرته. وحتى بعض الجمهوريين متهمون من قبل الشعبويين بمؤامرة التخلص من ترامب.

الأهم في هذه الجلبة الانتخابية، هو الحزب الجمهوري وليس الديمقراطي. لأنه، كما أسلفنا، لن يمنع ترشح بايدن عن الحزب الديمقراطي إلا أمر جلل.

وبخلاف الحزب الديمقراطي، يتزاحم كثير من المرشحين على ساحة الانتخابات التمهيدية للحزب الجمهوري. هناك طيف سياسي واسع في الحزب الجمهوري، يحاول أن يتصدر المشهد في 2024، والفوز ببطاقة الترشح عن الحزب.

الرئيس السابق ترامب يتقدم المرشحين، ويعود السبب إلى تحولات في بنية الحزب، حيث صعد التيار الديني الإنجيلي منذ عقود، وفي عصر الرئيس رونالد ريغان بالذات. وقويت شوكة هذا التيار في عهد جورج بوش الابن، والذي ينتمي إلى هذا التيار.

وقد دعم هذا التيار الأصولي، صعود ترامب إلى سدة الحكم، على اعتبار أن الحزب الآخر مفرط في العلمانية الإنسانية، ولا يقيم وزنا للدين أو الهوية الأمريكية والأغلبية البيضاء التي أسست الولايات المتحدة. وأن الحريات الجنسية، لا سيما المثلية والنسوية، معول هدم للمجتمع المسيحي في أمريكا.

ورغم أن ترامب غير معروف بتدينه، ولكنه ممثل لقيم هذا التيار، بما فيه التيار المسيحي الصهيوني، والذي ما انفك يروج للاعتراف بالقدس عاصمة لدولة إسرائيل. وهو ما يفسر دعم ترامب غير المحدود للدولة العبرية، ونقل سفارة الولايات المتحدة إلى القدس.

والمرشح الذي يتوفر له حظ—إذا ما أخفق ترامب بسبب الملاحقات القانونية— هو حاكم فلوريدا، رون دي سانتيس، والذي هو نسخة عن ترامب، ولكن أكثر التزاماً بالقواعد والإتيكيت الاجتماعية والسياسية. وقد كان حليفاً لترامب، وعندما أعلن ترشحه للرئاسة عن الحزب الجمهوري، ناصبه الرئيس السابق العداء.

استطلاعات الرأي العام، تعطي سفيرة ترامب في الأمم المتحدة، نيكي هيلي، ذات الأصول الهندية، وحاكمة ولاية ساوث كارولاينا السابق، المرتبة الرابعة. الغريب أن نائب ترامب السابق، مايكل بنس، دخل حلبة التنافس ضد رئيسه، والذي اختلف معه إثر حادثة اقتحام أنصار ترامب للمجلس التشريعي، لمنع التصديق على نتائج الانتخابات لصالح بايدن.

وكان التصديق يومها (6 يناير 2021)، بإشراف نائب الرئيس، كما جرت العادة. وقد اكتسب نائب الرئيس حنق، بل سخط، أنصار ترامب منذئذ. ولعل تدنيه في الاستطلاعات العامة، يعود لهذا السبب، حيث يحتل المرتبة الثالثة في آخر استطلاع.

هناك حوالي تسعة مرشحين، يتقدمهم ترامب بفارق كبير في الاستطلاعات، 57 %، ويليه دي سانتيس 20 % فقط. من المؤكد أن الأرقام ستختلف عند الاقتراب من موعد الانتخابات التمهيدية في فبراير 2024. وإذا ما انسحب ترامب، بسبب مشاكله القانونية، فإن دي سانتيس سيكون المتقدم على الجميع. وقد يحصل في نهاية المطاف على بطاقة الترشح عن الحزب الجمهوري.

* كاتب وأكاديمي