ما يربط التمرد بالسفينة

ت + ت - الحجم الطبيعي

تزامن استدعاء ذكرى سفينة الركاب «تيتانيك» في الإعلام، مع التمرد الذي قاده في روسيا قائد مجموعة فاغنر، يفغيني بريغوجين، فكشف تطور الأحداث في مرحلة ما بعد التمرد، عن علاقة من نوع ما بينهما، رغم المسافة الزمنية الطويلة بين السفينة الشهيرة، وبين التمرد المفاجئ الذي ملأ الدنيا وشغل الناس.

وكان اختفاء الغواصة تيتان، استدعى أجواء تيتانيك، التي غرقت أثناء رحلتها من لندن إلى نيويورك في أبريل 1912، والتي هوت إلى قاع المحيط، وكان على متنها 2,223 راكباً، نجا منهم 706 أشخاص.

أما تيتان، فكانت تحمل على متنها أشخاصاً خمسة، كانوا ذهبوا في رحلة، يريدون بها استكشاف حطام تيتانيك، الذي يستقر في القاع على عمق أربعة آلاف متر، وعلى مسافة تصل إلى 650 كيلو متراً من الشواطئ الكندية.

ولكن مصير تيتان لم يختلف عن مصير تيتانك، فغرق الخمسة معاً، ولحقوا بضحايا تيتانيك، ولم يكن أحد منا يطالع جريدة في النصف الثاني من الشهر الماضي، أو يتطلع إلى شاشة، إلا ويلاحظ الانشغال بسفينة الركاب تارة، أو بالغواصة المختفية تارةً ثانية.

أما العلاقة التي هي من نوع ما بين التمرد المفاجئ وبين تيتانيك الغارقة، فتتلخص في رأس جبل الثلج العائم، الذي اصطدمت به السفينة، فسقطت في مكانها، وبقي حطامها هناك على مدى زمني يزيد على القرن، إلى أن جرى اكتشافه مؤخراً في قاع المحيط.

كان وراء رأس جبل الثلج العائم ما وراءه، ولم يكن يبدو من الجبل إلا رأسه، ولم تكن القيادة في تيتانيك تعلم أن الخطر كله وراء تلك الرأس. وفي المقابل، يبدو تمرد قائد فاغنر، الذي وقع في 24 يونيو، وكأنه رأس جبل عائم أيضاً، لأنه رغم انشغال العالم به، لم يستمر سوى ساعات معدودة على أصابع اليدين.

فكان تمرداً فريداً من نوعه، سواء على مستوى الساعات القليلة التي استغرقها، أو على مستوى الغموض الذي أحاط به أثناء وقوعه، وفي أثناء انفضاضه، وفي مرحلة ما بعد عودة عناصر المجموعة إلى ثكناتها، وذهاب قائدها إلى العاصمة البيلاروسية مينسك.

ويبدو أن حظ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مع يوم 24 من الشهر ليس على ما يرام، ففي هذا اليوم، لكن في فبراير من السنة الماضية، أطلق عمليته العسكرية في أوكرانيا، فأرهقته وأرهقت جيشه، وأرهقت بلاده. وفي 24 يونيو، انطلق التمرد المفاجئ في مدينة روستوف الواقعة على مسافة ألف كيلو متر من موسكو، فأربك خطط بوتين وتفكيره.

وأظهره أمام العالم في صورة لا يسعده بالتأكيد أن يظهر عليها، وقد راح العالم يتابع أنباء التمرد وتداعياته، بينما لسانه يقول: ماذا يجري في بلاد الروس؟

وكما أن عملية غرق تيتانيك، رافقتها علامات استفهام بلا حصر، فإن عملية يفغيني بريغوجين، رافقتها كذلك علامات استفهام لا آخر لها، وسوف نستغرق- نحن المتابعين- وقتاً طويلاً، حتى نستطيع أن نفك هذا اللغز الضخم المسمى تمرد جماعة فاغنر.

وإذا كنا قد قرأنا أن بريغوجين طار إلى بيلاروسيا، وفق صفقة سياسية معلنة، وأن عناصر مجموعته عادت إلى ثكناتها، وإذا كانت الدنيا هدأت قليلاً، على ما يبدو أمامنا، فقد يكون وراء هذا الهدوء ما وراءه، تماماً كما كان وراء رأس الجبل العائم في حالة تيتانيك ما وراءه في قاع المحيط.

ومن هنا، إلى أن نعرف ماذا وراء التمرد بالضبط، وما الذي على وجه التحديد قاد إليه، سوف يضاف غموض ڤاغنر إلى غموض تيتانيك، وسوف تظل تلك العلاقة، التي هي «من نوع ما» قائمة بين الحدثين الكبيرين، وسوف يغري هذا الوضع كثيرين ممن يجدون متعتهم في التخمين والتأويل.

* كاتب صحافي مصري

 

Email