حكايات أهل الفن

حكاية أغنية «إلى عرفات الله» الكلثومية

ت + ت - الحجم الطبيعي

«إلى عرفات الله يا خيرَ زائرٍ عليك سلامُ الله في عرفات،

يوم تولي وجهة البيت ناضراً وسيم مجال البشر والقسمات»

هذا مطلع أغنية «إلى عرفات الله»، وهي أغنية معروفة لكوكب الشرق السيدة أم كلثوم، بل تعد من أشهر أغاني الحج على الإطلاق وأدقها وصفاً لهذه الشعيرة الإسلامية، وأكثرها جذباً للمستمع المسلم، لكن ما يجهله الكثيرون هو أسباب وظروف كتابة القصيدة وظهورها مغناة بصوت «الست».

في عام 1910 كتب أمير الشعراء أحمد شوقي (1868 ــ 1932) هذه القصيدة من 63 بيتاً وأهداها لحاكم مصر آنذاك الخديوي عباس حلمي الثاني (1874 ــ 1944) الذي ربطته به علاقة صداقة قوية، إذ كان الخديوي يستعد وقتها للسفر إلى الحجاز لأداء فريضة الحج، بمعية أمه أمينة هانم إلهامي (حفيدة السلطان العثماني عبدالمجيد الأول التي توفيت عام 1931) وعدد من رجالات الدولة، والشيخ محمد شاكر وكيل مشيخة الأزهر، والمؤرخ محمد لبيب البتنوني، الذي تولى توثيق الرحلة وأصدرها لاحقاً في كتاب بعنوان «الرحلة الحجازية لولي النعم الحاج عباس حلمي باشا الثاني». ولأن شوقي كان يخاف ركوب الإبل والخيل ثم السفر بالسفن، ولا يتحمل السفر على ظهورها، فقد حاول أن يتملص ويعتذر عن عدم السفر.

وحينما فشل رافق القافلة، لكنه غافلها ونجح في الفرار منها أثناء عبورها صحراء العباسية وعاد إلى القاهرة. عرف شوقي أن عمله سوف يغضب الخديوي فكتب القصيدة وضمنها أبياتاً يعتذر فيها للخديوي عن فعلته، ويبررها، وأبياتاً أخرى يمدحه فيها. وفي سنة 1949 استرعت القصيدة انتباه المطربة المصرية نجاة علي (1913 ــ 1993)، فاختارت 13 بيتاً من أبياتها لتغنيها، وعهدت عملية التلحين إلى الملحن البارع عبدالفتاح بدير (1925 ــ 1984)، ثم قامت بتسجيل الأغنية للإذاعة المصرية التي كانت قد بدأت الإرسال عام 1934.

ما حدث بعد ذلك، وتحديداً في عام 1951، هو أن أم كلثوم أعجبت بالأغنية وأرادت تأديتها بصوتها، لكن بلحن مختلف يناسبها، فكلفت الموسيقار الكبير رياض السنباطي (1906 ــ 1981) بالمهمة، كما طلبت من شاعر الشباب أحمد رامي (1892 ــ 1981) أن يبدل في كلمات القصيدة، فقام رامي باختيار 25 بيتاً من القصيدة مع تغيير مطلعها من «إلى عرفات الله يابن محمد عليك سلام الله في عرفات» إلى «إلى عرفات الله يا خير زائر عليك سلام الله في عرفات»، وحذف كل الأبيات المتعلقة باعتذار شوقي ومدح الخديوي ووصف موكبه، ومنها قوله:

«دعاني إليك الصالح ابن محمد فكان جوابي صالح الدعوات، وخيرني في سابح أو نجيبة إليك فلم أختر سوى العبرات، وقدمت أعذاري وذلي وخشيتي وجئت بضعفي شافعاً وشكاتي، يا رب هل تغني عن العبد حجة وفي العمر ما فيه من الهفوات».

وحينما ذهبت أم كلثوم لتسجل الأغنية بصوتها، وكانت وقتها نقيبة الموسيقيين، رفضت الإذاعة طلبها بحجة أنه ليس من حقها أن تعيد غناء عمل سبق للمطربة نجاة علي أن غنته واستلمت أجره من الإذاعة. ولشدة عشق أم كلثوم للقصيدة استأذنت من زميلتها نجاة علي أن تسمح لها بإعادة غنائها، وأقنعت الإذاعة بالتسجيل، فكان لها ذلك. وبهذا ولدت الأغنية من جديد بصوت ولحن جديدين مع كلمات مختلفة، وأدتها أم كلثوم في حفلة عامة على مسرح الأزبكية في السابع من أبريل 1955م. وبعد 3 سنوات من بدء التلفزيون المصري إرساله، أي في عام 1963 تم تصوير الأغنية عن طريق الفيديو كليب من تصميم شادي عبدالسلام وتصوير وحيد فريد، بينما كلفت أم كلثوم المخرج الكبير أحمد بدرخان (1909 ــ 1969) بعملية الإخراج، خصوصاً وأن الأخير هو مخرج كل أفلامها السينمائية ما عدا فيلمي «وداد» و«سلامة».

Email