خطط مهاتير للعودة إلى المشهد السياسي

ت + ت - الحجم الطبيعي

على الرغم من الضربات المتتالية التي تلقاها في السنوات الأخيرة من بعد أمجاده القديمة كأحد ألمع قادة ماليزيا منذ استقلالها سنة 1957، وأكثرهم نفوذاً وإنجازاً، فإن مهاتير محمد لا يكل ولا يمل من محاولات تسيد المشهد السياسي في بلاده، وقد قارب عمره المئة.

وربما ما يجعله اليوم أكثر إصراراً على العودة إلى الأضواء وإيهام الماليزيين بأن بلادهم لا يمكنها المضي إلى الأمام دون وجوده في دفة القيادة، هو وصول أنور إبراهيم إلى سدة الحكم من خلال انتخابات نوفمبر 2022 العامة، علماً بأن الأخير كان أحد ضحايا مكائد مهاتير السياسية وتعرض على يده لعملية طويلة من تلطيخ السمعة والازدراء والمهانة والاعتقال، من بعد أن كان يوماً ما أحد أقرب مساعدي مهاتير، والمرشح الأقوى لخلافته.

فعلى ماذا، يا ترى، يراهن عجوز ماليزيا الأشهر اليوم لسحب البساط من تحت قدمي حليفه وغريمه السابق الذي تمكن من الوثوب إلى السلطة على رأس حكومة وحدة وطنية ائتلافية؟

لقد كان مهاتير طيلة فترة ولايته الأولى ما بين عامي 1981 و2003 كرئيس للوزراء وقائد لحزب البلاد التاريخي (المنظمة الوطنية المتحدة لشعب الملايو المعروف اختصاراً باسم أومنو UMNO) مؤيداً بقوة لحقوق الماليزيين من عرقية الملايو وغيرهم من سكان البلاد الأصليين المعروفين باسم «بوميبوتيرا»، ومطالباً بمنحهم الأفضلية على حساب بقية الأعراق كونهم يشكلون معاً نحو ثلثي سكان البلاد. وفي الوقت نفسه كان في صراع ومنافسة دائمة مع الحزب الإسلامي الماليزي (PAS) الذي كان يرفع شعار الإسلام السياسي وتطبيق الشريعة. ومن هنا فإن ما حدث مؤخراً بين مهاتير والحزب الإسلامي من اتفاق وتحالف كان مفاجأة لفتت الأنظار وأطلقت التساؤلات.

صحيح أن الطرفين سبق لهما التحالف في عام 1999 فخاضا معاً انتخابات تلك السنة، التي أسفرت عن خسارة مهاتير وحزب (UMNO)، حكم ولاية «تيرينغانو» النفطية المهمة لصالح الحزب الإسلامي، لكن الصحيح أيضاً هو أن الخلافات سرعان ما دبت بينهما بسبب طريقة إنفاق مداخيل النفط المستخرج من الولاية، وكذلك بسبب تصادمهما أيديولوجياً حول التطبيق الصارم لأحكام الشريعة في الولاية. ولئن كان تحالفهما عام 1999 لأسباب انتخابية بحتة، فإن تحالفهما اليوم له دوافع أخرى.

ففي أواخر شهر مايو الماضي أطلق زعيم الحزب الإسلامي «هادي أوانغ» ما عرف باسم «إعلان الملايو» وهو عبارة عن وثيقة من 12 نقطة كتبها مهاتير محمد وتهدف إلى «استعادة السلطة السياسية للملايو»، في إشارة مبطنة إلى أن مواطني البلاد من عرقية الملايو ومن البوميبوتيرا قد فقدوا نفوذهم السياسي اليوم، أي في ظل حكومة أنور إبراهيم، وأنه من الضروري الآن تنحية الخلافات السياسية من أجل رص الصفوف وإنقاذ الإثنية الملايوية.

وهكذا نرى أن رهان مهاتير اليوم هو على الماليزيين من عرقية الملايو وعلى البوميبوتيرا من خلال إشعارهم بأن مصالحهم ومكتسباتهم وعقيدتهم في خطر، وأن عليهم منح أصواتهم الانتخابية للتحالف الجديد، بدلاً من تشتيتها وتوزيعها على أحزاب الائتلاف الحاكم المكون من بريكاتان الوطني (PN) وباريسان الوطني (BN) وباكاتان هارابان (PH).

ويجمع مراقبو الشأن الماليزي على أن مهاتير يلعب لعبة خطرة وضارة بالنسيج الاجتماعي للبلاد، مشيرين إلى أن تحفيز مجموعة عرقية واحدة عبر الدعوة إلى «وحدة مواطني الملايو» تعد عملية إقصائية لأنها تركز على حقوق ومصالح فئة من المواطنين بينما تتجاهل احتياجات ومصالح شركائهم في الوطن من الأعراق الأخرى، ومؤكدين أنّ الرجل وحلفاءه الجدد لن يحققوا أي شيء من وراء هذه السياسة التي ستجعل المجتمع الماليزي التعددي مستقطباً على أسس عرقية أكثر فأكثر مما يزيد من احتمالات الاضطرابات الاجتماعية.

وهذا صحيح، خصوصاً إذا ما أخذنا في الاعتبار حقيقة أن ماليزيا تواجه اليوم تحديات تنموية خطيرة نجد تجلياتها في الركود الاقتصادي والبطالة في صفوف الشباب وتكرر الفيضانات بسبب التغير المناخي. وبطبيعة الحال فإن مثل هذه التحديات لا تعالج بالاستقطابات السياسية المرتكزة على العرق، وإنما بالتركيز على القضايا المؤثرة على حياة جميع المواطنين دون تفرقة من تلك التي تشجع على الوحدة الوطنية والتماسك الاجتماعي، وتعزز الرفاهية الاجتماعية وتقلل من مخاطر الانقسام والفئوية.

ومن المعروف أن الدستور الفيدرالي الماليزي يشتمل على العديد من الأحكام التي تكرس مكانة خاصة للمواطنين من الملايو والبوميبوترا، وهذا في اعتقادنا كافٍ لتبديد مخاوفهم، وبالتالي فإن جهود الحكومة والساسة يجب أن تنصب على إيجاد توازن يعالج مخاوف الأكثرية الملايوية مع تعزيز المجتمع الشامل.

وأخيراً، فإن ماليزيا على موعد مع انتخابات محلية في ست ولايات من أصل ولاياتها الـ 13 في شهر يوليو المقبل، الأمر الذي سيوفر مؤشراً جيداً حول ما إذا كان المواطنون من عرقية الملايو يدعمون إدارة أنور إبراهيم أم أن مهاتير وحليفه الإسلامي (PAS) نجحا في كسبهم إلى جانبهما.

Email