دلالات خسارة «بهاراتيا جاناتا» في انتخابات كارناتاكا

ت + ت - الحجم الطبيعي

حظيت الانتخابات التشريعية المحلية، التي أجريت بصورة فعالة ونزيهة من خلال أكثر من 58 ألف مركز اقتراع، في ولاية كارناتاكا الهندية الجنوبية باهتمام بالغ داخل الهند وخارجها لعدة أسباب، لعل على رأسها أن نتائجها تحمل بعض المؤشرات والدلالات والفرضيات لجهة ما ستكون عليه الأمور في الانتخابات العامة المقبلة التي ستشهدها الهند في سنة 2024، والتي يسعى حزب بهاراتيا جاناتا (BJP) الحاكم لكسبها من أجل مواصلة هيمنته السياسية على الساحة الهندية، والتي بدأت منذ انتخابات 2014 وتعززت بنتائج انتخابات 2019.

والمعروف أن بهاراتيا جاناتا لا يحظى في ولايات جنوب الهند بنفس الشعبية الكاسحة التي يتمتع بها في ولايات الشمال، بدليل أنه كان حتى الأمس لا يحكم في الجنوب الهندي إلا في ولاية كارناتاكا، لكن حتى هذه الولاية الهامة، التي حكمها منذ عام 2019، خذلته هذه المرة، فمنحت الفوز لغريمه السياسي المتمثل في حزب المؤتمر الوطني الهندي (NIC). وهكذا بات بهاراتيا جاناتا لا يحكم أياً من ولايات الجنوب، بعد أن خسر 40 مقعداً وصار لا يحتكم إلا على 64 مقعداً من أصل عدد مقاعد المجلس التشريعي للولاية والبالغ عددها 224، بينما حصد حزب المؤتمر 136 مقعداً، وهو أكثر بكثير مما يحتاجه لتشكيل حكومة كارناتاكا المحلية المقبلة.

تجرع بهاراتيا جاناتا الهزيمة، على الرغم من قيامه بإطلاق حملة انتخابية ضخمة، واستثماره لكل شيء يمتلكه بهدف الاحتفاظ بحكم الولاية، بما في ذلك سحر زعيمه، رئيس الوزراء ناريندرا مودي، الذي قاد بنفسه الحملة على مدى عشرة أيام كاملة بلياليها في الولاية، متنقلاً من مكان إلى آخر مع مترشحيه وأنصاره في حافلة زعفرانية اللون يقودها بنفسه، وبما في ذلك أيضاً سياسة التودد للمقترعين الهندوس من خلال وعود بإلغاء نسبة الأربعة بالمائة المخصصة للمسلمين في الوظائف الحكومية والمقاعد الدراسية منذ عام 1994، وإصدار قانون موحد للأحوال الشخصية، والتشدد المضاعف في قضية الحجاب.

والحقيقة أن مودي بذل كل ما باستطاعته وقاتل بشراسة، ربما لأنه كان يعلم مسبقاً حقيقة يتداولها الكثيرون وهي أن كارناتاكا تعد الولاية الهندية الوحيدة التي لم تكرر انتخاب أي من الحكومات التي حكمتها مرتين متتاليتين على مدى الأربعين سنة الماضية، مع اتهامها عادة لكل حكومة من حكوماتها بالفساد وعدم الكفاءة.

إن هزيمة بهاراتيا جاناتا في كارناتاكا، وخصوصاًً على يد غريمه الأكبر، تشكل ضربة موجعة له ولسياساته ولأنصاره الكثر في عموم الهند، لا سيما وأنها جاءت من هذه الولاية تحديداً، حيث إنها ثامن ولايات الهند من حيث عدد السكان (يبلغ عدد سكانها أكثر من 61 مليون نسمة، وبلغت نسبة المقترعين في الانتخابات الأخيرة 73 % من أصل 53 مليون ناخب مؤهل للمشاركة)، ولديها أكبر نصيب للفرد من الناتج المحلي الإجمالي من بين جميع الولايات الكبرى (236 ألف روبية حسب إحصائيات 2020/‏‏2021)، ناهيك عن أن عاصمتها (بنغالور) تعتبر مركزاً للتكنولوجيا وصناعة البرمجيات، أحد أعمدة الاقتصاد الهندي.

غير أن هذه الهزيمة لا تعني بالتأكيد أنها ستتكرر في الانتخابات العامة المقرر إجراؤها العام المقبل، فالحزب لا يزال قوياً ومرشحاً للفوز بولاية ثالثة متصلة، خصوصاً وأنه يهيمن هيمنة ساحقة على البرلمان الاتحادي ويسيطر بمفرده على ثمانٍ من حكومات الولايات الهندية، ويحكم ست ولايات أخرى من خلال الائتلاف مع أحزاب أخرى، بينما تحكم الولايات الأربع عشرة الأخرى، والتي تضم نحو نصف سكان البلاد، أحزاب محلية، أو حزب المؤتمر التاريخي العريق الذي يعاني ويتراجع تأثيره يوماً بعد يوم في مواجهة بهاراتيا جاناتا، أو الأحزاب الشيوعية والماركسية، أو الأحزاب الصاعدة الجديدة مثل حزب «آم آدمي» (AAP) الذي يعني اسمه «حزب الرجل العادي»، وهو كيان سياسي لم يظهر على خارطة السياسة الهندية إلا في عام 2012.

وطالما أتينا على ذكر هذا الحزب الصاعد، فإنه من المفيد الإشارة إلى أنه شارك في انتخابات كارناتاكا الأخيرة وتمكن لأول مرة من الفوز بمقعد يتيم في المجلس التشريعي لهذه الولاية، علماً بأنه يحكم ولاية البنجاب الهندية منذ عام 2022، وفاز مرتين بحكم ولاية دلهي العاصمة كان آخرها في 2020 حينما حصد 62 مقعداً من أصل 70 مقعداً، وله حضور لا بأس به في ولاية غوجرات، وكذلك في ولاية غوا.

ومن هنا يتردد أن بهاراتيا جاناتا قد يلجأ إلى تشكيل تحالفات مع أحزاب صغيرة أخرى مثل حزب «آم آدمي»، قبيل بدء انتخابات 2024 العامة، كنوع من التحصين ضد أي مفاجآت غير متوقعة. غير أن مثل هذه التحالفات، من وجهة نظرنا، غير قابلة للحياة كي لا نقول إنها مستبعدة، خصوصاً وأن للأحزاب الهندية الصغيرة، ومنها «آم آدمي»، تجارب غير مشجعة مع بهاراتيا جاناتا بسبب تغول الأخيرة.

Email