عندما تفسد التعيينات بيئة العمل!

ت + ت - الحجم الطبيعي

يفترض أن التعيينات الوظيفية لا تحدث عشوائياً. فمن أبجدياتها، وجود سياسة واضحة للتوظيف Recruitment Policy تحدد المعايير والأسس التي ترتكز عليها المنظمات في استقطاب الأفضل. الهدف أن نتمكن من جذب خيرة الكوادر للانضمام إلى صفوفنا.

هذا يعني أن التعيينات لا ينبغي أن تحدث اعتباطياً. فلا يجوز أن نستجيب «لمناشدات مدير قديم» بتعيين فلان أو فلانة كلما طالبنا بذلك. فإذا ما تركت السياسة عرضة لأفراد وأهواء فإنها تميل مع مرور الوقت نحو الفوضى. فقرار التعيين إذا ما صار فردياً يؤدي إلى أن الموظفين القدامى سيلاحظون أن ثقافة المؤسسة السائدة بدأت تتغير أو تتشوه بعد دخول فوج جديد لم يتم انتقاؤهم بعناية. فهناك بيئة منضبطة مثلاً، أو تمتاز بالدقة العالية، أو يتحلى معظم العاملين فيها بالأدب والرقي في التعامل وقد يتبدد ذلك كله بسبب أولئك القادمين من بيئات مختلفة. فما المشكلة إذن؟ ما يمكن أن يحدث في التوظيف العشوائي هو أن يتكدس موظفون في بطالة مقنعة لا تفعل شيئاً، أو يتحول الأمر من دخول مهرة أو مهنيين إلى هبوط «باراشوتي» لأفراد لا يفقهون شيئاً في العمل، وربما ليس لدى بعضهم نية في التعلم أصلاً.

هنا تهتز صورة المنظمة، وتختل ثقافتها، وتتأثر إنتاجيتها لأنها استهانت بإجراءات التوظيف ثم التعيين ومن يجب أن يكون في لجانه، ومن لهم الكلمة الفصل في من يتعين ومن يرفض، وما هي المعادلة المثلى للاختيار وهكذا. ولذلك فإن المؤسسات التي فيها سياسة توظيف واضحة لا تخشى الشفافية لأن الشفافية يمكن أن تحاصر الفساد والمحسوبية والتخبط.

وعندما تتأمل البشر، تجد أن منهم من لديه حدس هائل في معرفة المرشح الجيد للوظيفة من عدمه. والأمر ليس مرتبطاً بالخبرة، فما أكثر من لديهم خبرة وبعد نظر في العمل، لكنهم في التوظيف يخفقون في اختيار الأفضل. ولذلك فهم في دوامة من التراجع، لن تفيدهم خبرتهم إذا ما كانوا يوظفون الأسوأ أو ينبهرون بكلام براق في المقابلات الوظيفية لا تعكسه السيرة الذاتية ولا واقع التجربة. ولذلك وضع المشرعون حول العالم اختبار المئة يوم والذي يمنح المؤسسة حق الاستغناء عن خدمات الموظف الجديد بكل سهولة. لكن الواقع ليس بهذه البساطة، فمن نعينه في الواقع استقال من وظيفة مهمة بالنسبة له، وحفلة التجربة من دون تدقيق ولا تمحيص ولا وجود سياسة واضحة تشوه صورة المؤسسة وكذلك من اتخذ قرار التعيين.

ما يميز كل المنظمة هو رأس مالها البشري وليس المالي. فما فائدة الأموال الطائلة في ظل إدارة تفتقر للحصافة ولأبجديات انتقاء الكوادر المهنية.

ويلجأ البعض للتوظيف الداخلي، بانتقاء كوادر تصلح للعمل في أقسام محددة أو أبدت رغبتها بذلك، ثم يكتشف الجميع أنهم تألقوا كثيراً، لأننا باختصار «وضعنا الشخص المناسب في المكان المناسب». كما أن ذلك التعيين بحد ذاته يقلل احتمالية اهتزاز الثقافة السائدة لأن الموظف هو «ابن أو بنت المنظمة» ويدرك طبيعة ثقافتها. وفي هذا الأسلوب تقليص لتكاليف التوظيف ومراحله، فضلاً عن أنه يحفز العاملين ويرفع معنويات من يحبون منظمتهم لكنهم يرغبون في الانتقال إلى أقسام تتناسب مع تخصصاتهم وشغفهم.

التوظيف عموماً Recruiting هي عملية تسعى المنظمة من خلالها إلى «جذب» أكبر قدر ممكن من الموظفين المناسبين وترشيح أفضلهم وفق آلية محددة. ولحسن الحظ ليس هناك طريقة واحدة للتوظيف، فيمكن استقطاب المرشحين بطريقة «انتقائية» أو «متحفظة» أو «منهجية» وهي فتح الباب لاستقطاب الأفضل سنوياً، وهذه عادة ما تكون للمنظمات الكبرى.

ويخلط البعض بين مرحلة التوظيف Recruitment والتعيين (أو الاختيار) selection. فالأولى هي محاولة جذب أكبر عدد ممكن من المرشحين لانتقاء أحسنهم، مثل إعلان فتح باب الترشيح داخلياً أو خارجياً، أما الاختيار فهي عملية أخرى واضحة المراحل وتخضع لقواعد محددة ثم تنتهي بتوقيع عقد العمل الرسمي. ولهذا فإن أي خلل في المرحلتين يؤدي إلى انتقاء عناصر غير ملائمة.

 

Email