الشرق الأوسط يتجه إلى عصر جديد من الانفتاح والسلام والاستقرار، فقد بدأ العقد الثالث للقرن الجديد بمصالحة بين دول المنطقة في اجتماع سيخلده التاريخ في العلا بالمملكة العربية السعودية، حيث أكدت قمة قادة دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية تعزيز وحدة الصف والتماسك بين دول مجلس التعاون، وعودة العمل الخليجي المشترك إلى مساره الطبيعي، والحفاظ على الأمن والاستقرار في المنطقة.

وتبع ذلك زيارات عدة بين الدول العربية والأطراف الإقليمية، منها زيارات متعددة من دول المنطقة إلى تركيا، وتدفقت الاستثمارات بين دول الخليج، وخاصة الإمارات والمملكة العربية السعودية، إلى تركيا، التي شهدت سنين عجافاً بسبب تقلصات في النمو الاقتصادي وتدهور عملتها (اللَّيرة) بعد عقدين من الرخاء الاقتصادي.

والأهم من ذلك التقارب بين الإمارات العربية المتحدة والجمهورية الإسلامية الإيرانية، حيث أعادت الأولى سفيرها إلى طهران بعد أن سحبت السفير إثر أحداث الهجوم على السفارة السعودية في طهران في 2016، إلا أن التصالح السعودي الإيراني عاد، بوساطة من الصين، بعد قطيعة استمرت سبع سنوات، وكان ذلك تحولاً تاريخياً في المنطقة ونهاية للحرب الباردة التي شهدتها منذ أحداث الربيع العربي في 2010 - 2011.

للمصالحة ضرورات، ورجال الدولة يلتقطون الفرص للخروج من المآزق بفكر خارج الصندوق، فقد عانت إيران من العقوبات الدولية التي أثقلت كاهلها وكاهل شعبها، وبدأ التذمر يسود في الداخل الإيراني مع عزلة خارجية متزايدة، فاختارت إيران الخروج من النفق المظلم إلى آفاق أرحب عبر الدول الخليجية. وإذا ما فكت عقدة النووي الإيراني فإنها في طريقها للتعافي والتصالح الداخلي والخارجي.

وما لبث الاتفاق أن أعطى نتائج إيجابية في الحرب اليمنية. وقد التقى وفد سعودي في صنعاء مع السلطة الحوثية، وتم الاتفاق على استمرار الهدنة، وإنهاء الحرب، وتبادل الأسرى بين السعودية والحوثيين، وما زالت الهدنة قائمة.

سوريا كان لها نصيب من التطورات الإيجابية، فقد بادرت الإمارات لإعادة دمشق إلى الحضن العربي بعد عقد ونيف من العزلة الإقليمية، واحتراب داخلي أتى على الأخضر واليابس. وغدت سوريا دمعاً لا يكفكف، وجرحاً نازفاً. وقد قامت أبوظبي بفتح سفارتها في دمشق، وكذلك فعلت المنامة. واستقبلت أبوظبي الرئيس السوري بشار الأسد مرتين، ومسقط مرة، وكذلك فعلت المنامة.

واجتمعت دول مجلس التعاون الخليجي ومصر والأردن والعراق في جدّة في شهر رمضان الفضيل لتدارس إعادة سوريا إلى الجامعة العربية. واستقبلت السعودية وزير الخارجية السورية للتباحث معه في سبل استعادة الدور السوري المغيب في المنطقة. ويبدو أن إعادة تأهيل سوريا مجرد وقت ليس إلا.

هناك ما يفرق بين أبناء إسماعيل، فالطموحات بين هذه الدول الإقليمية كبيرة، والدول العظمى تتطلع إلى المنطقة بشهية كبيرة تاريخياً وحاضراً، وتتقاطع مصالحها مع مصالح الدول الإقليمية.

الوضع في ليبيا يراوح مكانه، ولا أمل من انتخابات تحسم الخلافات الداخلية، والوضع في السودان مأزوم، بل هناك تخوّف من حرب أهلية لا هوادة فيها وتعكر الإقليم بتداعياتها. والحال غير مطمئنة في تونس، ولا يعرف تداعيات هذا الوضع على المنطقة.

العثرات كثيرة وكبيرة لتتويج المنطقة بسلام يعيد السكينة للمنطقة، ويبشر برخاء اقتصادي، وتحول سياسي واجتماعي إيجابي. البوادر موجودة، لكن هل يمكن أن تلتقط دول المنطقة الخيط والانطلاق به إلى حدود أبعد لطموحات أبناء المنطقة؟ هذا ما ستجيب عنه الأيام المقبلة، والأيام حبالى يلدن كل عجيب.