حكايات أهل الفن

حكاية شقيقين صنعا أمجاد الأغنية الكويتية

ت + ت - الحجم الطبيعي

لم تبدأ حكاية الشقيقين عوض ويوسف بن فرحان الدوخي الدوسري، ودورهما المؤثر في صناعة أمجاد الأغنية الكويتية الحديثة من قيام الأول بتسجيل أولى أغانيه (يشوقني برق) سنة 1947 في أول إذاعة كويتية خاصة (إذاعة شيرين لصاحبها مراد بهبهاني)، ولا من قيام الثنائي بتقديم رائعة «يا من هواه أعزه وأذلني» من كلمات الإمام سعيد بن أحمد بن سعيد البوسعيدي مع بدء تكوين فرقة الإذاعة الكويتية في نهايات خمسينات القرن العشرين.

لقد سبقت ذلك إرهاصات ومغامرات ومكابدات كان الشقيقان بطلاها بمشاركة شقيقهما الأكبر النهام عبداللطيف الدوخي، الذي علمهما العزف على العود وجعلهما يعشقان الغناء أثناء عملهم على ظهور السفن الشراعية المبحرة إلى الهند وأفريقيا كتباب ونهام.

ومع السفر والاختلاط بأقوام وثقافات مختلفة، تجذر عشق الفن والغناء في وجدان الشقيقين، وزادت معرفتهما بأنواع الغناء وأساليبه. ثم كان لتعرفهما على الملحن القدير أحمد الزنجباري دور مؤثر في تعزيز ذلك الهيام، خصوصاً بعد أن قدم عوض من ألحان الزنجباري أغنيته الخالدة «ألا يا صبا نجد». لاحقاً وعلى مدى عشر سنوات تعاون الشقيقان في عدة أعمال أرست القواعد الحديثة للأغنية الكويتية مثل أغنيتي «قل للمليحة» و«طال الصدود»، ناهيك عن أغنية «صوت السهارى» التي طور يوسف كلماتها ووضع لحنها ليغنيها عوض بصوته الرخيم، محدثين بذلك انقلاباً موسيقياً في داخل الكويت وخارجها.

تأثر عوض بنكهة الغناء المصري بسبب استماعه الدائم لموسيقى زكريا أحمد وعبدالوهاب والسنباطي وكارم محمود، ناهيك عن تأثره بقائد فرقة الإذاعة الكويتية عازف الكمان المصري نجيب رزق الله بدليل أن عوض فضل التعاون مع رزق الله على حساب التعاون مع شقيقه يوسف في إحدى الفترات، وهو التعاون الذي أفضى إلى ظهور عمل جميل غير مسبوق لجهة النقلات النوعية والمقامات الصعبة ممثلاً في أغنية «رد قلبي لا تخاصمني». والمعروف أن يوسف جارى شقيقه لبعض الوقت في الاهتمام بتقديم أعمال تحمل النكهة المصرية فقدم له أغنيتي «مستحيل» و«لك حبي واشتياقي» مثلاً. غير أن يوسف قرر في أواخر الستينات أن يرحل إلى القاهرة لدراسة الموسيقى أكاديمياً والحصول على درجتي الماجستير والدكتوراه، فكان له ذلك بعد أن قدم عام 1975 أطروحة ماجستير ضمنها مقارنات واختلافات كثيرة حول تأثر الموسيقى العربية بغيرها، وأطروحة دكتوراه في تحليل ونقد كتاب الأغاني لأبي الفرج الأصفهاني سنة 1981.

وبينما كان يوسف غارقاً في دراسته، يحاول بالبحث والتنقيب الأكاديمي التعرف على أصول الموسيقى المحلية وتاريخها، كان عوض يعزز مكانته الفنية بأعمال متنوعة شعبية كويتية وخليجية وأخرى مصرية النكهة محاولاً الدمج بين الاثنين ومراهناً على نجاح تلك المغامرة. هذا إلى جانب قيامه بتسجيل روائع أم كلثوم بصوته، مع تجنب تقليدها والحرص على وضع بصمته الخاصة على تلك الروائع الكلثومية.

توفي عوض في 17 ديسمبر 1979 عن 47 عاماً متأثراً بمرض عضال، وتوفي يوسف في 6 سبتمبر 1990 عن 56 عاماً بسبب نقص الأدوية إبان الاحتلال العراقي للكويت. وبرحيلهما فقدت الساحة الفنية الكويتية والخليجية علمين من أعلامها، كان لكل منهما أسلوبه وطريقته الخاصة في عملية تثوير الغناء الكويتي ونشره خارج حدود الخليج وتطعيمه بالجديد وتأسيس الكوادر الموسيقية. صحيح أن الشقيقين اختلفا بسبب تباين توجهاتهما الموسيقية وذائقتهما الفنية، لكنهما قدما معاً الكثير للفن الخليجي ما جعل اسمهما محفوراً في الذاكرة، وإبداعاتهما خالدة في التاريخ الموسيقي لبلدهما.

ومن صور الخلافات بين الشقيقين ما أورده الباحث في الموسيقى شريف حسن، في مقال مطول عن الشقيقين الدوخي من أن يوسف كان متأثراً بفن «الطنبورة»، وأنه في فترة خلافه مع عوض قرر أن يغيظ الأخير فقدم لحناً من ألحان الطنبورة للمطرب الشاب آنذاك عبدالمحسن المهنا، وهو لحن «مين علمك الجفا»، الذي كان سبباً في شهرة المهنا ونجاحه.

Email