كثيرون من المتابعين للشأن السوداني هذه الأيام مشغولون بالسؤال: من يحسم المعركة العسكرية الدائرة الآن؟ لكن قلة هي من تهتم بالمعاناة شديدة الوطأة للشعب السوداني المغلوب على أمره، الذي يدفع ثمن هذه المعركة، التي تبدو عبثية في عيون كثير من السودانيين.
وبعيداً أو حتى بجانب التطورات العسكرية ميدانياً وبسببها فإن الأوضاع الإنسانية في السودان خصوصاً في مناطق الاشتباكات بالخرطوم تبدو في أسوأ أحوالها، منذ الاستقلال في عام 1956.
الاشتباكات بكل أنواع الأسلحة أدت إلى أوضاع إنسانية غاية في الصعوبة، وكل المطالبات والمناشدات الدولية بوقف إطلاق النار ذهبت سدى، وشاهدنا أنه تم اختراق جميع الهدنات المعلنة، آخرها تلك التي توسطت فيها الولايات المتحدة الأمريكية، ومن خلال التقارير الإخبارية المختلفة عرفنا جانباً صغيراً من معاناة الشعب السوداني.
السكان في مناطق الاشتباكات يتملكهم الرعب، حيث جانباً من القتال يدور في مناطق سكنية، وبطبيعة الحال فإن القذائف بين الأطراف المتحاربة يمكن أن تنحرف وتتجه إلى المنازل سواء بالخطأ، أو لاستهداف عسكريين متخصصين فيها، وبالتالي فقد كان طبيعياً أن يرتفع عدد القتلى من المدنيين إلى أكثر من 464 شخصاً، بعد مرور أسبوع واحد من الحرب، وإصابة 1543 حسب نقابة أطباء السودان.
المأساة الأخرى أن الحرب أدت إلى انقطاع شبه كامل للكهرباء والمياه، حيث إن بعض السكان يجازف بالخروج للشارع، للحصول على المواد الغذائية، أو لمحاولة الفرار من المدينة، وفي هذه الحالة قد يتعرض للتوقيف أو القتل أو الإصابة.
وعرفنا من التقارير الإخبارية أن الدبلوماسيين الأجانب المشمولين بالحماية طبقاً للاتفاقيات الدولية، تعرضوا للقتل، كما حدث مع الملحق الإداري بالسفارة المصرية، وكذلك إصابة دبلوماسي أمريكي، والاعتداء على مواكب إجلاء أفراد عدد من البعثات الدبلوماسية سواء بإطلاق الرصاص أو نهب أموالهم، وجميع حقائبهم وهواتفهم النقالة، وسرقة السيارة الدبلوماسية الخاصة بالسفير الماليزي.
الملاحظة اللافتة هي تحذير الصليب الأحمر الدولي من نفاد الماء والغذاء لدى المدنيين المحاصرين في بيوتهم، وطبقاً لتقرير لمجموعة الأزمات الدولية فإن النزاع يمكن أن ينزلق بسرعة لحرب حقيقية دائمة تطول الولايات المضطربة، وبعض دول الجوار، مما يهدد إمدادات الغذاء والمياه والكهرباء.
ومن المحزن أن جمعية الهلال الأحمر السوداني أعلنت أن مسلحين لم تحدد هويتهم نهبوا مخازنها، و8 سيارات دفع رباعي تابعة للجمعية، أما مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشئون الإنسانية «أوتشا» فقد قال: إن هناك 16 مليون سوداني بحاجة للمساعدات، خلال العام الحالي، ومدير برنامج الأغذية العالمي في تشاد بيت أونورا قال: إن البرنامج يتوقع موجات نزوح للاجئين سودانيين جديدة، ليضافوا إلى 400 ألف سوداني فروا إلى تشاد في صراعات سابقة، وينتشرون في 14 مخيماً، وطبقا للتقديرات فقد لجأ نحو 20 ألف سوداني إلى تشاد في الأيام الأولى للصراع، وأغلبهم من النساء والأطفال.
والمعروف أن الأمم المتحدة أعلنت في فبراير الماضي أن أكثر من ثلث السودانيين سيحتاجون إلى مساعدات إنسانية هذا العام، بسبب الجوع وزيادة عدد النازحين، وعلينا أن ندرك أن هذا التحذير تم قبل اندلاع الصراع الراهن. والأخطر أن عدداً كبيراً من المستشفيات خرج من الخدمة بسبب القتال، وهناك مصابون لا يجدون مستشفيات للعلاج.
المحزن والمؤسف أنه حتى الحيوانات لم تسلم من هذا الصراع، ويوم الأحد الماضي أطلقت حديقة السودان للحياة البرية نداء، لمساعدة الحيوانات الموجودة في الحديقة، ومنها 25 أسداً جائعاً، وقالت في بيانها: «إن وضع الحيوانات في الحديقة أصبح حرجاً للغاية خصوصاً أنها تقع في منطقة الباقير، جنوب شرق العاصمة، التي تشهد اشتباكات شبه يومية، ما أدى إلى انقطاع الكهرباء، وبدء نفاد المخزون من الأكل والشرب».
هذه عينة سريعة من تأثير الحرب على المواطنين السودانيين، ويكفى أن نتخيل أن السكان المحاصرين في بيوتهم لا يستطيعون الخروج، للحصول على المأكل والمشرب، وقد تطالهم قذيفة طائشة في أي لحظة، ولا يعرف متى ينتهى هذا القتال شديد العبثية، لكن هناك من يقول، ولماذا سمح السودانيين منذ سنوات طويلة أن تصل الأمور إلى ما وصلت إليه ؟!
ظني الشخصي أنه لا يمكن لوم المواطنين السودانيين في هذه الحالة، بل نلوم كل من تسبب في هذا الوضع.
* رئيس تحرير صحيفة الشروق المصرية