«حكايات أهل الفن»

أحمد رامي والشعر والفن والناس

ت + ت - الحجم الطبيعي

كُتب الكثير عن الشاعر المبدع أحمد رامي (1892 ــ 1981)، لكن يبقى هناك الكثير من التفاصيل التي لم تنشر عنه، رحمه الله.

فمثلاً نعلم أن لقب «شاعر الشباب» التصق باسمه حتى بعد بلوغه الثمانين، ونعلم أن له الفضل في كتابة أجمل الأشعار باللهجتين الفصحى والعامية من تلك التي غناها قطبا الغناء العربي (أم كلثوم ومحمد عبد الوهاب)، ونعلم أنه كان يجيد الفارسية، بالإضافة إلى العربية والفرنسية والكثير من اليونانية، فترجم رباعيات الخيام وقدمها لأم كلثوم كي تغنيها.

1975

لكن ما لا يعلمه الكثيرون عن هذا المبدع، الذي أحدث ثورة في الكلمة المغناة بنزوله من قمة الشعر الفصيح إلى سهل العامية الراقية معنى وصورة، أنه كان صاحب صوت جميل وعلم بالمقامات الموسيقية، فكان يستخدمهما في الغناء بمجالسه الخاصة، دون أن يفكر يوماً باحتراف الغناء.

كما أنه لعب دوراً ليس في كتابة نصف مجموع أغاني أم كلثوم فقط، وإنما ساهم أيضاً في نصفها الآخر بالاقتراح والاختيار والتعديل والحذف (أغنية الأطلال مثالاً)، علماً أنه توقف عن كتابة الشعر نهائياً بعد وفاة «الست» في 3 فبراير 1975، وظل على موقفه إلى أن فارق الحياة في 5 يونيو 1981.

في دليل على الوفاء لمن كانت السبب الأهم في شهرته كشاعر. لكنه واظب على عقد مجلسه صباح كل يوم أحد في شرفة فندق سميراميس القديم المطلة على النيل (الإنتركونتيننتال حالياً)، حيث كان يلتقي بأعلام مصر من أمثال توفيق الحكيم وصالح جودت ويوسف وهبي وحسين فوزي وإبراهيم الورداني وغيرهم.

قلب نابض بالشباب

إلى ذلك، كان الرجل يتمتع بروح الفكاهة والظرف، فحينما كان في الستين مثلاً، كان يجيب من يسأله عن عمره بـ «تلاتين مرتين» بدلاً من ستين، حيث كان قلبه نابضاً بنبض الشباب حتى وهو في أرذل العمر.

ويعرف الكثيرون أن مصر الملكية ابتعثته لدراسة نظم الوثائق وعلم المكتبات واللغات الشرقية في جامعة السوربون الباريسية العريقة، وأنه عمل بعد تخرجه أميناً لمكتبة دار الكتب المصرية، لكن قلة من الناس تعرف أنه عمل أيضاً أميناً لمكتبة عصبة الأمم بعد انضمام مصر إلى الأخيرة في 26 مايو 1937، قبل عمله لمدة 3 سنوات في الإذاعة المصرية.

والمعروف أن رامي أبصر النور في حي السيدة زينب القاهري، في 19 أغسطس 1892، لكن المجهول للكثيرين هو أنه قضى جزءاً من طفولته في اليونان. كما وأن الناس لا تعرف من «رباعيات الخيام» سوى الأبيات المعدودة التي غنتها «الست» سنة 1950، لكن مجموع ما ترجمه رامي يصل إلى 180 رباعية نشرها لأول مرة في ديوان باسم «رباعيات الخيام» سنة 1924.

صداقة متينة

ويروي الليبي سليمان منينة، الذي عرف رامي خلال سنوات دراسته بجامعة القاهرة الأمريكية جانباً آخر من خصال الرجل الرفيعة، حيث نشر قائلاً إن صداقة متينة ربطته بالشاعر، رغم فارق السن والمقام، وأنه كان جد متواضع ويعامله كابنه ويزوره في سكنه بشارع طلعت حرب أمام سينما راديو ليطمئن على دراسته وأحواله.

ومما ذكره منينة أن رامي كان يقدر ويجل أحمد شوقي بشكل كبير جداً، ويصفه بفارس الشعر العربي، وأن الرجلين التقيا في باريس عام 1922، وأن رامي كان شديد الاعتناء بمظهره وأناقته، فكان لا يلبس إلا من الصوف الإنجليزي الأصلي، ولا يستخدم من ربطات العنق والمناديل سوى الأنواع الإيرلندية الناعمة، وحينما افتقدت الأسواق المصرية هذه البضائع في الستينيات.

كان يطلبها من الخارج أو تصله كهدايا من أصدقائه ولا سيما الأميرين الشاعرين عبدالله الفيصل وبدر بن عبد المحسن. وأضاف منينة أن رامي كان يلبس عند كل أغنية جديدة للست بدلة جديدة، وغالباً ما كان يرتدي معها ربطة عنق من نوع «سولكا» المفضلة عند الرئيس جمال الناصر.

أما عطره المفضل والدائم فكان عطراً اسمه «Caron Pour Homme»، كان قد شم رائحته على شخص جالس بجانبه في مقهى خلال دراسته بباريس من سنة 1920 إلى 1924، ومن يومها لم يستعمل غيره.

 

Email