يهلّ هلال شوال، ويستقبل الناس يوم الجائزة، يوم تعلن النتائج، وتوزع الشهادات، وقد تخرج المسلمون في مدرسة رمضان، فمنهم من كسب وسعد، ومنهم من خسر وشقي. فالصيام مدرسة أكاديمية ذات اتجاهين: الأول، يتجه إلى أعلى ليربط المخلوق بالخالق، ويشعره بعبوديته الخالصة له، فيجدد إيمانه، ويهذب نفسه. والثاني، يتجه إلى الحياة المادية التي يحياها الإنسان ليربطه بالمجتمع الذي يعيش فيه، وينمي فيه روابط الألفة والمحبة، فيحيي فيه روح الشعور بالمسؤولية. وكم حملت هذه المدرسة في جعبتها من دروس عظيمة، وأدوية نافعة تعالج قضايا الفرد والمجتمع علاجاً كاملاً، وترشد إلى حياة سعيدة، حيث تعلم المسلم الصبر وقوة الإرادة وصدق المعاملة، وتعلم المجتمع التنظيم ووحدة الكلمة، كما تغرس فيه روح التعاطف ورقة الإحساس.

ونستذكر بعد رمضان بعض دروس الصيام وأخلاقياته لتبقى في سجل أعمالنا اليومية، ونمارسها في جميع الأيام، حتى نجعل كل شهورنا رمضان. فالصوم دوحة دائمة الخضرة، مستمرة العطاء، ومن أبرز هذه الدروس الرمضانية:

أولاً، على صعيد الفرد: يستهدف الصوم بحقيقته نفس الإنسان وروحه، فهو يكشف عن إخلاص المسلم، وصدق استجابته لله، عز وجل، ويحرره من سجن جسده، وسلطان غرائزه، ويخلصه من نزعات شهواته، ويعيد إنسانيته وروحانيته، فتتكامل الصورة الإنسانية المؤلفة من جسد وروح.

ثانياً، على صعيد المجتمع: إن بناء المجتمع وصلاحه يبدآن من بناء الفرد. ومدرسة رمضان تنطلق من تزكية نفس الفرد إلى تطهير روح الجماعة، حيث تطرح حلولاً عملية لجميع المشكلات العالقة بين الأفراد والجماعات.

وآثار مدرسة رمضان في المجتمع:

في المجال الاقتصادي: يعتبر رمضان دورة اقتصادية تسهم في تنظيم الإنتاج والاستهلاك، وتعلِّم حسن الادخار وتوفير الوقت والجهد والمال. بينما تهدف مدرسة الصوم من خلال فريضة الزكاة وصدقة الفطر والصدقة المستحبة إلى إقامة التوازن بين أفراد المجتمع، وإذابة الفروق الطبقية، وبث روح التعاطف والمحبة.

وفي المجال الاجتماعي: تنمي مدرسة الصيام شعور المسلم بمسؤوليته تجاه مجتمعه، بعد أن تهذب مشاعره، وتمتلك أحاسيسه، مما يجعله يحس بالآخرين. وتسهم مدرسة رمضان في تصفية النفوس وحل الخلافات. كما تسهم مدرسة الصيام في إذابة الفروق بين طبقات المجتمع.