شخصيات تحت المجهر

معتوقة بنت حمود.. ابنة السلاطين وأمهم وجدتهم

ت + ت - الحجم الطبيعي

كثيرات هن سيدات القصر العُماني في شرق أفريقيا (زنجبار وما حولها) ممن طواهن النسيان، على الرغم من قيامهن بأدوار تاريخية إلى جانب أزواجهن من سلاطين الأسرة البوسعيدية الكريمة الأحد عشر، الذين توالوا على حكم زنجبار، وحافظوا على عروبتها وإسلامها، ابتداءً من السلطان ماجد بن سعيد بن سلطان البوسعيدي، الذي حكم من عام 1856 إلى 1870، وانتهاءً بالسلطان جمشيد بن عبدالله بن خليفة بن حارب، الذي لم يدم حكمه سوى عام واحد (من 1963 إلى 1964). هذا ناهيك عن حضورهن الاجتماعي القوي ووقوفهن خلف العديد من المشروعات الإنسانية، وبرّهن بالضعفاء والمعدمين؛ ما أكسبهن محبة الناس.

من بين هؤلاء النسوة تبرز معتوقة بنت حمود بن محمد بن سعيد بن سلطان ابن الإمام أحمد بن سعيد البوسعيدي. قد تكون الوحيدة التي تناولت المراجع التاريخية سيرتها وأعمالها بشيء من التفصيل، ربما لأنها الوحيدة التي لقبت بالسلطانة، أو بسبب دورها الاجتماعي المميز في البلاد، والذي عكس تماهيها مع الأدوار الجديدة التي طرأت على كاهل زوجات السلاطين والملوك والزعماء منذ النصف الأول من القرن العشرين.

ونحاول هنا تدوين سردية مفصلة عنها استناداً إلى ما هو متوفر من معلومات من مصادر متنوعة، ولا سيما ما كتبته عنها الباحثة العمانية الدكتورة أحلام بنت حمود الجهورية في «موسوعة نساء عمان» وفي غيرها من كتبها ومقالاتها الكثيرة، وذلك من منطلق التعريف بها وبجهودها وأدوارها، خصوصاً وأن سيرتها هي جزء من سيرة وطنها العماني الأم في امتداداته التاريخية والجغرافية، فهي ليست مجرد سيدة من الأسرة الحاكمة فحسب، وإنما ابنة سلطان وحفيدة سلطان وأخت سلطان وزوجة سلطان وأم سلطان وجدة سلطان.

لا يوجد تاريخ معلوم لسنة ميلادها، لكن أحد المصادر قال (تقديراً) إنها أبصرت النور سنة 1884م. وذكر المصدر نفسه أن ميلادها كان في قصر والديها بزنجبار، حينما كان والدها في سن 36 ووالدتها في سن 22.

والدها هو السلطان حمود بن محمد بن سعيد بن سلطان ابن الإمام أحمد بن سعيد البوسعيدي، سابع سلاطين الأسرة البوسعيدية في زنجبار المولود في مسقط سنة 1853 والمتوفى في زنجبار عام 1902، والذي حكم ست سنوات (من عام 1896 إلى تاريخ وفاته). ويعد والدها واحداً من سلاطين زنجبار المشهورين؛ لأن عهده شهد وقوع أقصر حرب في التاريخ، وهي الحرب الإنجليزية الزنجبارية التي بدأت في 27 أغسطس 1896 ولم تستمر سوى أقل من 40 دقيقة فقط. هذا ناهيك عن أنه قام بما لم يقم به أسلافه من قبل، وهو حظر الرق نهائياً في بلاده.

أما والدتها فهي خنفورة، الابنة الوحيدة للسلطان ماجد بن سعيد بن سلطان ابن الإمام أحمد بن سعيد البوسعيدي من زوجته الثانية عزة، التي كانت عمانية يتيمة من أقاربه، والتي لم تنجب له سواها. وقد تزوجها السلطان حمود بن محمد كونها ابنة عمه، وأنجب منها عشرة أبناء (6 من الذكور، و4 من الإناث)، هم: علي وماجد وسعود وتيمور وفيصل ومحمد ومعتوقة وبشان وبوران وحكيمة.

وعليه يكون جدها لأمها هو السلطان ماجد بن سعيد، أول سلطان في سلسلة سلاطين الأسرة البوسعيدية في زنجبار، الذي ولد في زنجبار لأم تدعى سارة سنة 1834، وتوفي فيها سنة 1870، والذي حكم من 1856 إلى تاريخ وفاته. هذا علماً بأن السلطان ماجد كان الابن السادس لأبيه، وكان أكثر إخوته رباطة جأش وأقلهم زهواً، وهو ما قربه من الناس ومنحه حبهم، لكنه كان معتل الصحة ويعاني من نوبات المرض؛ ما سبب له متاعب كثيرة.

وبناءً على ما سبق ذكره عن والدها، فإن شقيقها هو السلطان علي بن حمود بن محمد بن سعيد، المولود في زنجبار عام 1884، وهو السلطان الثامن لزنجبار منذ وفاة والده في سنة 1902 وحتى تاريخ تنازله عن الحكم في عام 1911 لأسباب مرضية.

تزوجت معتوقة سنة 1899 حينما كانت في الخامسة عشرة من عمرها من خليفة بن حارب بن ثويني بن سعيد بن سلطان ابن الإمام أحمد بن سعيد البوسعيدي الذي تنازل له شقيقها السلطان علي بن حمود عن الحكم سنة 1911، فصار السلطان التاسع لزنجبار من السلالة البوسعيدية. عاشت معتوقة معه قرابة 41 عاماً (12 سنة قبل أن يصبح سلطاناً، و29 عاماً بعد أن أصبح سلطاناً)، وكانت ثمرة هذا الزواج ثلاثة أبناء، هم: ثويني بن خليفة المتوفى عام 1906، وعبدالوهاب بن خليفة المتوفى عام 1912، وعبدالله بن خليفة المتوفى عام 1963.

والمعروف أن زوجها ولد في مسقط في 26 أغسطس 1879، ابناً لحارب ابن السلطان ثويني، الذي حكم عمان في الفترة من 1856 إلى 1866، ولأم هي تركية بنت السلطان تركي بن سعيد بن سلطان، وقد تيتم خليفة بن حارب مبكراً، إذ توفي والده وهو لم يتجاوز العامين، فتعهد جده لأمه بتربيته ورعايته، وجعله ينال قسطاً من التعليم في علوم القرآن والأدب واللغة والتاريخ.

وحينما بلغ عامه الثالث عشر في 1893 انتقل للعيش في زنجبار بناءً على دعوة تلقاها من عمه السلطان حمد بن ثويني (خامس سلاطين زنجبار الذي حكم في الفترة من 1893 إلى 1896)، وعندما توفي الأخير وخلفه السلطان حمود بن محمد، قربه السلطان الجديد وأنزله منزلة رفيعة؛ بدليل أنه زوّجه ابنته معتوقة.

توفي السلطان خليفة بن حارب في قصره ببيت العجائب في 9 أكتوبر 1960، ودفن في المقبرة الملكية، ويعتبر عهده هو الأطول زمنياً من بين عهود أسلافه من سلاطين زنجبار؛ لأنه بقي سلطاناً عليها على مدى 49 عاماً، توفيت خلالها زوجته الأولى (معتوقة)، وتزوج بعدها للمرة الثانية في عام 1948 من نونوة بنت أحمد السمار البوسعيدي، حفيدة والي مقاديشو سليمان بن علي البوسعيدي.

قلنا إن معتوقة أم لسلطان، حيث إنه بعد وفاة زوجها السلطان خليفة بن حارب، كان ولده الأكبر الوحيد الباقي على قيد الحياة هو عبدالله، الذي أنجبه من معتوقة في سنة 1910، فآل حكم زنجبار إليه ليكون عاشر سلطان من سلاطينها، خصوصاً وأنه كان قد سمي ولياً للعهد بموجب مرسوم سلطاني خلال حياة والده، وتحديداً في 7 مايو 1929. وهكذا تولى عبدالله بن خليفة بن حارب خريج مدرسة هارو البريطانية حكم زنجبار من أكتوبر عام 1960 وحتى تاريخ وفاته في 5 يوليو 1963. وعلى الرغم من أن فترة حكمه كانت قصيرة فإنها شهدت الكثير من الأحداث التي كان لها أثر كبير في تغيير الحياة السياسية والاجتماعية في زنجبار، مثل تزايد النفوذ الاستعماري البريطاني، وتصاعد حدة التوتر في البلاد بين العرب الممثلين بالحزب الوطني والأفارقة الممثلين بالحزب الأفروشيرازي.

وبوفاة السلطان عبدالله بن خليفة بن حارب آل الحكم إلى أكبر أولاده الذكور الثلاثة من بين ستة أبناء أنجبهم (3 ذكور ومثلهم من الإناث)، وهو جمشيد بن عبدالله بن خليفة بن حارب، أي حفيد معتوقة، وهو في الوقت نفسه ابن ابنة شقيقها (تحفة بنت السلطان علي بن حمود).

والسلطان جمشيد هذا ولد في زنجبار في 16 سبتمبر 1929، وتخرج في مدرستها الثانوية الحكومية، ثم التحق بكلية فيكتوريا العريقة في الإسكندرية، وبعد تخرجه فيها درس في الجامعة الأمريكية في بيروت، ثم خدم في البحرية الملكية البريطانية لمدة سنتين تقريباً، ودرس الإدارة العامة في بريطانيا، قبل أن يعود إلى وطنه ويكلفه جده السلطان خليفة بن حارب ببعض مسؤوليات الدولة وشؤونها من أجل اكتساب الخبرة العملية.

وعلى الرغم من أنه حظي بما لم يحظ به أسلافه من علوم أكاديمية وخبرات عملية، فإنه فشل في إدارة بلاده والإمساك بالسلطة بُعيد منح بريطانيا الاستقلال لزنجبار في 9 ديسمبر 1963 لتكون دولة ملكية دستورية؛ إذ أطاح الأفارقة الماركسيون بحكمه في 12 يناير 1964، لينتهي بذلك حكم العرب والسلالة البوسعيدية لزنجبار. وقد تمّ نفي السلطان جمشيد إلى مدينة بورتسموث البريطانية مع عائلته، حيث ظل مقيماً هناك لمدة 56 عاماً حتى 15 سبتمبر 2020، وهو تاريخ انتقاله للإقامة في مسقط.

قلنا إن معتوقة أدت أدواراً إنسانية وخيرية في بلادها، ما جعل قلوب مواطنيها تتعلق بها وتلهث بالدعاء لها، بدليل الحزن الذي خيّم عليهم يوم أن أعلن عن وفاتها في 30 يونيو سنة 1940. وبعد دفنها في المقبرة الملكية بزنجبار، ظل زوجها السلطان خليفة بن حارب يستقبل المعزين الكثر على مدى ثلاثة أيام في «مسجد الحديث» المجاور للسراي. وفي اليوم الرابع رفع مجلس العزاء في بيت «الجمعية العربية»، طبقاً لما ذكرته جريدة «الفلق»، الصحيفة العربية الوحيدة في زنجبار وشرق أفريقيا.

ومما رصدته الصحيفة المذكورة بعض برقيات ورسائل التعزية والمواساة التي انهالت على ديوان السلطان خليفة بن حارب، ومنها رسالة من الملك جورج السادس ملك بريطانيا العظمى، وأخرى من السلطان سعيد بن تيمور سلطان مسقط وعمان. كما نشرت «الفلق» بيان نعيها الرسمي الذي لقبت فيه بـ«السلطانة معتوقة» على غير المعتاد، إضافة إلى أخبار أخرى ذات صلة، منها خبر نصه «أقام عرب الجزيرة في (ويته) و(شكشك) قراءة القرآن الكريم على روح المرحومة فجيعة زنجبار أم المحسنات السلطانة معتوقة».

وبسبب كثرة إنفاقها في وجوه الخير والبر والإحسان، لم تتعدد ألقابها فقط، وإنما تبارت أيضاً الأقلام في نعيها وتعداد خصالها وسجاياها وأعمالها الإنسانية، وكان من بين من كتبوا مرثيات شعرية فيها قاضي زنجبار في الفترة من 1960 إلى 1967، وقاضي قضاة كينيا فيما بعد «الشيخ عبدالله بن صالح الفارسي». وجاراه في ذلك المؤرخ والأديب والشاعر والمعلم «أبو الحسن جمل الليل»، وكذلك الشاعر البارز صاحب الدواوين الشعرية بالعربية والسواحلية «الشيخ صالح بن علي الخلاسي»، والشاعر «الشيخ برهان بن محمد مكلا القمري».

Email