القضية التي لم تعد ترفاً في حياة الناس

ت + ت - الحجم الطبيعي

لاحقاً سوف يظل الألمان يؤرخون ليوم السبت 15 أبريل 2023 في حياتهم، لأنه اليوم الذي اتخذوا فيه قراراً غير مسبوق في تاريخ البلاد.. أما القرار فهو التخلي نهائياً عن توليد الطاقة من المفاعلات النووية، بعد أن بقي حزب الخضر يناضل طويلاً في سبيل ذلك.

وقد عشنا طويلاً نسمع عن موقف «الخضر» من هذه القضية، وعشنا نتابع تمسكه بألا تكون في ألمانيا مفاعلات نووية تتولد منها الطاقة، وكنا نتابع موقفه المتشدد فيها وقت أن كان يجلس في مقاعد المعارضة، فلما انتقل إلى مقاعد الحكم ضمن الأحزاب المشاركة في حكومة المستشار أولاف شولتس الحالية، بدت الفرصة متاحة أمامه ومعه بقية الحكومة لاتخاذ القرار.

كانت البيئة عموماً في مقدمة القضايا التي وضعها الحزب في برنامج عمله، وكانت قضية توليد الطاقة من المفاعلات النووية في القلب من هذه القضايا، وكان من المفترض أن يجري اتخاذ القرار في 31 ديسمبر من العام الماضي، لولا أن الحرب الروسية الأوكرانية قد أخرته بعض الوقت، فلما جاء منتصف أبريل الجاري كانت ألمانيا على موعد مع القرار الذي لا بدّ من اتخاذه فأغلقت آخر ثلاثة مفاعلات.

وقد بدأت القصة في أيام حكومة المستشارة أنجيلا ميركل، التي وضعت برنامجاً زمنياً متدرجاً للتخلص من مفاعلاتها النووية، لأنه لم يكن من الممكن التخلص منها دفعةً واحدة، ولأنه لم يكن من الممكن التخلص منها دون وجود بديل جاهز.

وربما يكون حزب الخضر الألماني هو الذي خلق وعياً عالمياً بقضية البيئة، وبضرورة أن تكون أولوية لدى كل حكومات الكوكب، وليس لدى الحكومة الألمانية وحدها في برلين.

والذين تابعوا مؤتمر المناخ الذي انعقد في نوفمبر الماضي في شرم الشيخ في مصر، ومن قبله تابعوا المؤتمر السابق عليه في مدينة غلاسكو البريطانية، أدركوا بالتأكيد أن جماعة الخضر كانت على حق في تشددها تجاه قضية البيئة، وفي تمسكها بنشر الوعي بالقضية في كل مكان، وليس أدل على ذلك إلا مساحة الاهتمام الكبيرة التي حظي بها المؤتمران في الإعلام.

وعندما ينعقد المؤتمر المقبل في دولة الإمارات العربية المتحدة، وعندما يحتشد العالم في نوفمبر من هذه السنة لحضور المؤتمر، سوف يزداد الناس وعياً بقضية المناخ، وسوف يزدادون اطلاعاً على تفاصيلها، وسوف تتحول القضية من مسألة كانت تبدو ثانوية في نظر الكثيرين، إلى شاغل من شواغل عامة الناس، ولن تظل محصورة بين القلة من المتخصصين.

لقد صارت تداعيات تغيرات المناخ مما يلاحظه الجميع بالعين المجردة، ومما يلمسه كل متابع ويراه في حياته، أو في حياة الآخرين ممن يشاركونه العيش على ظهر الأرض.

فقبل أيام ضرب إعصار تسع ولايات أمريكية كما لم يضربها إعصار من قبل، وكان الإعصار مدمراً إلى حد أن مدناً بكاملها في بعض هذه الولايات لم يعد من الممكن التعرف عليها من شدة ما أصابها، وقال عمدة إحدى المدن في واحدة من الولايات التسع إن مدينته انشطرت إلى نصفين.

وفي صيف العام الماضي ضربت الفيضانات باكستان، وغمرت المياه ثلث مساحة البلاد بكامله، وكانت هذه المرة الأولى التي تتعرض فيها باكستان لفيضانات من هذا النوع.

كل هذه تفاصيل تشكل لوحة مكتملة في النهاية، واللوحة تقول لنا بأعلى صوت إن قضية البيئة لم تعد ترفاً، وأن يداً واحدة فيها لا تصفق كما يقال، وأن حزب الخضر في ألمانيا إذا كان قد بادر بالتصفيق الذي أراد به لفت الانتباه إلى خطورة الأمر، فلا بديل عن أن يصفق العالم كله مع الحزب الألماني، لأن قضية التغيرات تشبه وباء «كورونا» الذي لم يكن يستثني أحداً ولا بلداً.

 

*كاتب صحافي مصري

Email