العواقب المنتظرة للاستراتيجية الروسية الجديدة

ت + ت - الحجم الطبيعي

هناك كثيرون مقتنعون بأن الحرب الروسية - الأوكرانية هي آخر فرصة سياسية للرئيس الروسي فلاديمير بوتين لإعادة بناء الإمبراطورية الروسية على إقليم أوراسيا على الأقل، مع أن بلاده عملياً متواجدة في العديد من أقاليم العالم، وبالتالي يكون بوتين أمام خيارين اثنين للاستفادة من تلك الفرصة وهما: إما أن يحقق هدفه التاريخي وفق الخطة التدريجية الهادئة مع الغرب والتي أعاد فيها بناء بلاده عسكرياً واقتصادياً، وإما أن يُدخل العالم في سيناريوهات صعبة من خلال التهديدات باستخدام السلاح النووي.

هذه الأفكار يمكن استخلاصها من الاستراتيجية أو العقيدة الجديدة للسياسة الخارجية الروسية التي استعرضها الاسبوع الماضي وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف بعدما اعتمدها من الرئيس بوتين. وبالنظر إلى توقيت إعلانها فهي استراتيجية فرضتها الظروف السياسية التي وضعها الغرب ضد روسيا، آخرها انضمام فنلندا، صاحبة أطول حدود برية مع روسيا (1340) كم، إلى حلف الناتو، لهذا من أبرز ملامح تلك العقيدة كانت تصنيف الولايات المتحدة باعتبارها أكبر أعداء الاستقرار والأمن العالميين، ما يعني أن المواجهة بدت صريحة وواضحة بين موسكو وواشنطن.

ويمكن أن تدفع هذه الاستراتيجية الروسية الجديدة إلى زيادة تشنج المناخ السياسي الدولي في جميع أنحاء العالم خاصة مع تراجع فرص إنهاء الحرب الروسية - الأوكرانية، وما يمكن أن تتحول إليه بعض المناطق في العالم التي تتواجد فيها القوات الروسية مع القوات الأمريكية، خاصة في ظل تصاعد نوايا الديمقراطيين المتواجدين في البيت الأبيض لاستمرار الحرب مع محاولة إفشال محاولات الرئيس السابق دونالد ترامب في الترشح للانتخابات القادمة، حيث أكد بأنه يستطيع إنهاء الحرب الروسية- الأوكرانية، فالمشهد الذي ترسمه الاستراتيجية الدبلوماسية الروسية الجديدة هي: العودة إلى تاريخ ما قبل انهيار الاتحاد السوفييتي عام 1991 وربما قبل مجيء آخر رئيس للاتحاد السوفييتي ميخائيل غورباتشوف إلى الحكم.

قد يقرأ البعض بنود الاستراتيجية الجديدة، التي جاءت في (42) صفحة، بأنها قوة ناعمة روسية تهدف منها إلى الحفاظ على استقرار دول العالم وخاصة أفريقيا حيث ذكرها بالتحديد، لكن عندما تدرك مساعي الولايات المتحدة والغرب لإخراج روسيا من تلك «القارة الواعدة» التي باتت محل تنافس الجميع، فإنك تستوعب أن روسيا هي الأخرى مصرة على التواجد رغم كل الاتهامات الموجهة ضد شركة «فاغنر» الروسية، كما أن مسألة تعزيز روسيا التعاون العسكري مع حلفائها من أجل القضاء على الهيمنة الأمريكية في الشؤون العالمية هي من إشارات التمهيد لتدخلات روسية لحماية مصالحها الموجودة في العالم حتى إذا تطلب الأمر المواجهة العسكرية بما فيها السلاح النووي الذي بدأت روسيا تلوح به بين الحين والآخر.

على كل، هذه الاستراتيجية تعيدنا بالذاكرة إلى عقيدة الرئيس السوفييتي الأسبق ليونيد بريجنيف الذي حكم روسيا خلال الفترة 1964 - 1982، فهي تتشابه ملامحها مع عقيدة بوتين الجديدة مثل دعم الدول الأفريقية للحفاظ على استقلالها، وكذلك العمل على التصعيد مع الغرب من أجل الوصول إلى التوازن الاستراتيجي، إضافة إلى تعزيز التلاحم السياسي مع الإقليم الروسي (أوراسيا) وهو ما أدى في نهاية المطاف إلى الاصطدام مع الولايات المتحدة، وكأن السيناريو يعيد نفسه.

لروسيا في عهد بوتين طموحات كبرى، ويبدو أنه لن يتوقف عن محاولة تحقيقها سواءً في جواره الجغرافي الذي ينتشر فيه المعارضون لسياساته، مثل أوكرانيا وقبلها جورجيا والشيشان، أو في المناطق التي يتواجد فيها في آسيا وأفريقيا، حيث باتت روسيا فيها لاعباً مهماً ومقبولاً، فهدف بوتين بات واضحاً أن تتبوأ بلاده مكانتها التاريخية بأي وسيلة كانت.

* كاتب إماراتي

Email