«حكايات أهل الفن»

محمود المليجي.. ما بين أدوار الشر والخير

ت + ت - الحجم الطبيعي

تحدث مؤلف الموسوعات الفنية الكاتب والناقد المصري محمود قاسم ذات مرة، فقال إنه يعشق الفنان محمود المليجي في أدواره الإنسانية أكثر من أدواره الشريرة. والحقيقة أن المليجي (1910 ــ 1983) استطاع خلال مشواره الفني أن يتقن أداء النمطين معاً ببراعة حتى يخيل لمن يشاهده وهو يجسد دور الشرير في فيلم ما، أنه من المحال أن يكون هو نفسه الذي يجسد دور الرجل الطيب الحنون الأنيق في فيلم آخر.

والمليجي الذي اتصف بالطيبة المتناهية والأخلاق الفاضلة في حياته الشخصية، وكان زوجاً مثالياً لشريكة عمره الفنانة الكبيرة علوية جميل، كان على النقيض في الجل الأعظم من أعماله التي بلغ عددها 318 فيلماً.

ولا سيما في أفلام الصراع بين الخير والشر من تلك التي تقاسم بطولتها مع النجم فريد شوقي، حيث كان الجمهور في مختلف البلاد العربية حريصاً على حضور تلك الموجة من الأفلام بحماس لمشاهدة المليجي الشرير وهو يتلقى الضرب والرفس واللكمات من شوقي انتصاراً للحق والخير. ومما يذكر أن جمهور السينما كان يتبرم، ويلجأ أحياناً إلى إحداث فوضى وتكسير، حينما تكون مشاهد الفيلم المعروض خلاف ذلك.

وقد شجع هذا عدداً من مخرجي السينما المصرية على حبس المليجي في أدوار الشر لعقود طويلة إرضاء لمتطلبات الشباك، وذلك منذ أن ظهر لأول مرة كشرير في فيلم «قيس وليلى» للمخرج إبراهيم لاما عام 1939. وكان نيازي مصطفى أحد المخرجين الذين كانوا يتلذذون بتصوير المليجي وهو يتلقى الضربات ويسقط على الأرض وسط دمائه وجروحه، على نحو ما حدث في فيلم «أبو حديد» (1958) مثلاً.

والمعروف أن الجمهور لم يتحمس كثيراً لأدوار المليجي الإنسانية في بعض الأفلام، بسبب ارتباط اسمه منذ بداياته بالشر والجرائم التي تراوحت ما بين القتل والسرقة والخديعة والابتزاز والاتجار بالممنوعات، وإن كان البعض منهم حرص على مشاهدة تلك الأفلام منتظراً أن يصدر منه خبثه وشره المعتاد.

من أعمال المليجي التي ابتعد فيها عن الشر مثلاً: دوره كطبيب وأب لمريم فخر الدين في فيلم «حكاية حب» (1959)، ودوره كطبيب يتهم ظلماً بالقتل في فيلم «المتهم» (1957)، ودوره كرسام يعيش في عزلة عن الناس وعن ولده عبدالحليم حافظ في فيلم «أيام وليالي».

هذا ناهيك عن دوره الخالد في رائعة يوسف شاهين فيلم «الأرض» (1970) الذي جسد فيه دور الفلاح محمد أبو سليم المتمسك بأرضه في مواجهة الإقطاعيين.

ودوره كأب نصوح للصحفية هند رستم في فيلم «الخروج من الجنة» (1967)، ودوره كرئيس تحرير صارم مع موظفيه عبدالحليم حافظ وعبدالسلام النابلسي في فيلم «يوم من عمري» (1961)، وفيلم «من أجل امرأة» الذي توقع الجمهور فيه من المليجي أن يكون شريكاً في جريمة قتل، لكنه أدى دور مدير مكتب التحقيقات بشركة التأمين الذي يكشف جريمة القتل.

ونختتم بالإشارة إلى أن المليجي لم يسع إلى أن يكون عنواناًً للشر في السينما، بل لم يكن التمثيل خياره الأول، حيث إنه أراد أن يكون مطرباً، لكن الموسيقار عبدالوهاب صدمه بقوله إنه لا يصلح للغناء بسبب صوته الجاف الخشن ونشازه الواضح، ثم أراد أن يكون عازفاً وملحناً، لكنه في أول تجربة عزف أمام بديعة مصابني تعامل مع الأوتار بخشونة فمزقها، ثم أراد أن يكون ملاكماً ففشل، ليرسو بعد ذلك على بر التمثيل الذي أجاده بسبب امتلاكه لعينين فصيحتين قادرتين على الحديث دون اللسان وعلى تجسيد مختلف الانفعالات والتنقل بينها بسلاسة.

 

Email