ترتيب البيت العربي قبل قمة الرياض

ت + ت - الحجم الطبيعي

من الواضح أن هناك محاولات عربية متعددة لإعادة ترتيب البيت العربي من الداخل حتى يمكن مواجهة التحديات الكثيرة المفروضة على هذا البيت من الخارج.

هذا الأمر ليس في حاجة إلى قراءات متعمقة أو سبر أغوار، لكنه صار مرئياً للجميع إلى حد كبير منذ أسابيع عديدة.

نعلم أن الجامعة العربية أعلنت قبل أيام على لسان السفير حسام زكي، الأمين العام المساعد والمشرف على شؤون مجلس الجامعة، إنه من المنتظر أن تعقد القمة العربية الدورية الثانية والثلاثين في الـ 19 من شهر مايو المقبل.

وفي عملية ترتيب البيت من الداخل يمكن رصد مجموعة من المؤشرات الإيجابية التي نتمنى أن تكتمل وتنجح حتى تضع أسساً جديدة تحيي العمل العربي المشترك أو على الأقل توقف التراجع في الكثير من ملفاته.

المؤشر الأول كان الإعلان -والذي تم في العاصمة الصينية بكين قبل أسابيع قليلة -عن استئناف العلاقات بين السعودية وإيران، والذي من المفترض أن يؤدي لبدء صفحة جديدة بين البلدين.

إذا كتب لهذا الأمر النجاح - وهو ما نتمناه - فإنه سوف ينعكس إيجاباً على العلاقات العربية العربية، بالنظر إلى التداخل الإيراني في عدد من القضايا والملفات العربية.

وإذا اكتملت المصالحة، فالمفترض أن تنعكس إيجاباً بالأساس على الأزمة اليمنية والتي بدأت عام 2015 بسبب استيلاء الحوثيين على العاصمة صنعاء وعدد من المدن اليمنية المهمة.

وكذلك الحال بشأن لبنان، الذي يعاني أزمة اقتصادية غير مسبوقة إضافة إلى الشغور الرئاسي، وأحد أسبابه إصرار حزب الله على فرض رؤيته، ومن دون مراعاة رؤية ومصالح باقي الأطراف اللبنانية.

وفي العراق، والذي إذا تمت المصالحة فيه، ستدعم من التوجه العربي في العراق، وهو ما تحاول الحكومات العراقية تحقيقه بالفعل في السنوات الأخيرة.

والملف المهم هو سوريا، والتي ترغب عدد من الدول العربية أن ترى فيه تطوراً، لتعود سوريا كاملة للجامعة العربية.

ولمسنا بالفعل تطورات مهمة في هذا الملف خلال الأسابيع الأخيرة خصوصاً بعد الزلزال المدمر الذي ضرب شمال غرب سوريا مع تركيا في 6 فبراير الماضي وأدى إلى مقتل أكثر من 50 ألف شخص في البلدين وإصابة الآلاف وتدمير مئات الآلاف من المنازل وتشريد الملايين.

وكانت الإمارات سباقة في الانفتاح على سوريا وإعادة العلاقات معها في27 ديسمبر 2018، واستقبلت أبوظبى الرئيس السوري بشار الأسد مرتين، كما زار الأسد العاصمة العمانية مسقط وتبادل وزيرا الخارجية المصري والسوري سامح شكري وفيصل المقداد الزيارات. كما بدأت العديد من الدول العربية في الانفتاح على دمشق وأخيراً ألمحت السعودية إلى قرب استئناف العلاقات حينما قال وزير خارجيتها إنه لا جدوى عربية من استمرار مقاطعة سوريا.

وقبل الإعلان عن هذه المصالحة كانت السعودية والإمارات والبحرين ومصر قد أعادت العلاقات مع قطر.

وكذلك الحال بالنسبة للعلاقات مع تركيا والتي أخذت بالتطور بهدف تعزيز الاستقرار والازدهار بالمنطقة، ورأينا لقاء الرئيسين المصري عبدالفتاح السيسي والتركي رجب طيب أردوغان في الدوحة على هامش افتتاح مونديال كأس العالم في 20 نوفمبر الماضي، وهو ما قاد إلى زيارات متبادلة لوزيري الخارجية وانفراجة في علاقات البلدين بعد جمود استمر منذ 20 يونيو 2013.

وإذا اكتملت هذه المصالحة المصرية التركية فالمفترض أن تنعكس على أكثر من ملف أولها الأزمة الليبية، وملف خفض التصعيد في مياه شرق المتوسط وهى المنطقة الغنية بالغاز الطبيعي، وملف الجماعات المتطرفة التي استفادت من الخلافات التركية مع البلدان العربية.

تلك هي أبرز المؤشرات ولا يخفى على أحد أن هناك تحديات متنوعة تواجه العمل العربي المشترك. ومنها الخلافات والمشاكل والانقسامات داخل بعض الدول العربية، والخلافات البينية بين الدول العربية بعضها البعض، ثم التدخلات الخارجية في شؤون الدول العربية، ناهيك عن التأثيرات شديدة السلبية للأزمة الأوكرانية على المنطقة خصوصاً فيما يتعلق بارتفاع أسعار العديد من السلع ومنها الحبوب والوقود والسلع الصناعية.

وأخيراً فإن الصراع الصيني الأمريكي بدأ يلقي بظلاله على العالم أجمع والمنطقة العربية خصوصاً.

إذاً يحتاج العرب إلى مزيد من خطوات ترتيب البيت حتى يمكنهم التصدي لكل هذه التحديات الصعبة.

 

* رئيس تحرير صحيفة «الشروق» المصرية

Email