«حكايات أهل الفن»

قصة سر نجاح وخلود مسلسل «درب الزلق»

ت + ت - الحجم الطبيعي

يمضي بنا الزمان وتتعدد معه الأعمال الفنية، فيشاهدها الجمهور وينساها دون أن تسكن أعماقه.

إلا أن عملاً تلفزيونياً كويتياً أنتج في سبعينات القرن العشرين، وعرضت حلقته الأولى في الثامن من يناير 1977، لا يزال محفوراً إلى اليوم في وجدان المشاهد الخليجي والعربي دون أن يبهت أو يمل من مشاهدته، ألا وهو المسلسل الخالد «درب الزلق».

فما هو ياترى سر خلوده وسر صموده في وجه متغيرات الحياة وتقلبات الزمن وثورة التكنولوجيا؟ الروائي الكويتي مشاري العبيد هو أحد الذين تولوا التنقيب عن الأسباب والعوامل وتطرق إليها في حواره مع صحيفة القبس الكويتية (26 يوليو 2021).

مما لا شك فيه أن الكوميديا الراقية البعيدة عن الابتذال والتصنع والحركات المستهلكة والإيحاءات المملة، ومشاركة نجوم كبار من الصف الأول في العمل (مثل عبدالحسين عبدالرضا وسعد الفرج وخالد النفيسي وعبدالعزيز النمش وعلي المفيدي) هما من ضمن الأسباب، لكنهما ليسا كل الأسباب.

لقد وقفت عوامل أخرى كثيرة خلف نجاحه المذهل الذي فاجأ حتى أصحاب العمل أنفسهم، إلى درجة أن الفنان سعد الفرج دعا قبل أعوام، وفي أكثر من مناسبة، إلى ضرورة دراسة العمل والتقصي عن أسباب خلوده في ذاكرة الناس إلى اليوم.

منها تلقائية أبطاله وعفوية أدائهم، معطوفة على قدراتهم المعروفة في الارتجال والإضافة الساخرة. ومنها النص المكتوب على شكل متتالية قصصية مشوقة وأحداث مترابطة بأجواء متعددة ذات وقع واستقرار في الذاكرة مثل:

تثمين البيت ومشروع الأحذية ومشروع طعام الكلاب ومشروع المحاماة وزواج أم سعد ورحلة القاهرة وما حدث فيها من مفارقات ومصنع الكبريت وشراء الأهرامات وزواج قحطة من «نبوية شبشب» وغيرها.

علماً بأن أحد أسباب جودة النص هو مشاركة الفنانين سعد الفرج وعبدالحسين عبدالرضا لعبدالأمير التركي في كتابته، واقتراحهما تطعيم العمل بكركترات جديدة وجاذبة ومثيرة للضحك مثل «غلام الباكستاني» و«نبوية المصرية» و«صالح ابن بائع الثلج» و«حجي بودمغي المعالج الشعبي»، و«بووائل بلبول الشركة».

ومنها أيضاً اللهجة المستخدمة في العمل وهي اللهجة الكويتية الخالصة والمطعمة بمفردات الرعيل الأول، فصار العمل وكأنه توثيق لمفردات كويتية أصيلة.

أضف إلى ذلك ديكور العمل المستوحى من البيئة الكويتية والخليجية القديمة والذي شكل عامل جذب إضافياً لكل مشاهد لم يعش أجواء تلك البيئة ومظاهرها، وهو جهد توثيقي يعزى إلى براعة المهندس محمد شملان الحساوي الذي صنع روح العمل بتعدد فضاءاته.

ويجب أيضاً ألا ننسى عاملاً مهماً آخر هو عملية الإخراج المتقنة التي تولاها المخرج المصري القدير حمدي فريد (1916 ــ 1987)، الذي عاش في الكويت فترة من الزمن وواكب أنشطتها الفنية وعرف عن كثب رموزها ومدى قدراتهم الإبداعية منذ الستينات وحتى منتصف الثمانينات، ولا سيما براعته التي تجلت في إدارة المشاركين في العمل مع توفير التوازن ما بين الحوارات والقفشات.

وإنْ كان هناك عامل آخر فهو وقوف وزارة الإعلام الكويتية ممثلة في وزيرها الألمعي الشيخ جابر العلي السالم الصباح (1928 ــ 1994) خلف العمل بالدعم والمساندة والتشجيع والاقتراح.

فقد عرف عنه رحمه الله تذوقه للفنون، كما كان طوال فترة توليه مسؤولياته كوزير للإرشاد والأنباء ثم وزير للإعلام من 1962 إلى 1981، نصيراً للفن والفنانين وداعماً لأنشطتهم.

بل سجل عن الكاتب عبدالأمير التركي أن الشيخ جابر هو من اقترح إطلاق إسم «قحطة» (وهو إسم صقار خفيف الظل كان يتردد على ديوان سموه) على «علي المفيدي» في المسلسل، وهو الذي اختار مصر كي تكون محطة النقاهة لعبد الحسين عبدالرضا من صدمته بدلاً من لبنان.

ونخالة القول أن عوامل وأسباباً كثيرة تضافرت مع بعضها البعض، فحقق «درب الزلق» ما لم يحققه أي عمل كويتي أو خليجي آخر لجهة المتابعة والترقب والخلود.

 

Email