إن القرآن الكريم كتاب الله المتين، وحجة الله على العالمين، وآية الله الكبرى، والمعجزة العظمى، فيه عقيدة الإسلام وعباداته، وحكمه وأحكامه، وآدابه وأخلاقه، وقصصه ومواعظه، وعلومه ومعارفه، وهو منقذ الإنسانية، ومناط كل سعادة دنيوية وأخروية. قال تعالى: ﴿ذَٰلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ ۛ فِيهِ ۛ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ﴾ [سورة البقرة:2].
ولقد شرَّف الله رمضان من بين سائر الشهور بأن اختاره لإنزال القرآن الكريم، قال تعالى: ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ﴾ [سورة البقرة:185]. فكان نزوله جملة واحدة من اللوح المحفوظ إلى بيت العزة من السماء الدنيا في ليلة مباركة من شهر رمضان، هي ليلة القدر، كما قال تعالى: ﴿إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ﴾ [سورة الدخان:3]. وقال تعالى: ﴿إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ﴾ [سورة القدر:1].
ولقد كان من هديه عليه الصلاة والسلام في هذا الشهر الاجتهاد في العبادة، وخصوصاً تلاوة القرآن الكريم، فقد ثبت في الصحيحين عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: «كانَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أجْوَدَ النَّاسِ، وكانَ أجْوَدُ ما يَكونُ في رَمَضانَ حِينَ يَلْقاهُ جِبْرِيلُ، وكانَ يَلْقاهُ في كُلِّ لَيْلَةٍ مِن رَمَضانَ فيُدارِسُهُ القُرْآنَ، فَلَرَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أجْوَدُ بالخَيْرِ مِنَ الرِّيحِ المُرْسَلَةِ» «رواه البخاري ومسلم».
ولذلك كان السلف الصالح رضوان الله عليهم يكثرون من تلاوة القرآن في رمضان في الصلاة وفي غيرها. ولم يقتصر الأمر عندهم على التلاوة فحسب، فقد كانوا يتخذون من رمضان فرصة لمدارسة القرآن وتدبر آياته، ومعرفة أحكامه وأخلاقه. ولذلك قال بعضهم: «لي في كل جمعة ختمة، وفي كل شهر ختمة، وفي كل سنة ختمة، ولي ختمة منذ ثلاثين سنة ما فرغت منها بعد».
ولذلك ينبغي على المسلم أن يكون له برنامجه مع كتاب الله تعالى، وأن يراعي فيه ما يلي:
- أن يتعاهد تلاوة القرآن الكريم بنيةٍ خالصةٍ لله تعالى، وقلبٍ حاضرٍ، وترتيله بتدبُّرٍ وفهمٍ، قال الله تعالى لنبيه عليه السلام ﴿وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً﴾ [سورة المزمل:4].
- أن يقرأ قراءة الخاشع المتخشع، قال تعالى: ﴿لَوْ أَنزَلْنَا هَٰذَا الْقُرْآنَ عَلَىٰ جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُّتَصَدِّعًا مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ﴾ [سورة الحشر:21].
- أن يحرص على قراءة التدبر والتفكر في الصلاة وفي غيرها، وأن يتفاعل مع معاني الآيات الكريمة.
- أن يلازم مجلساً لمدارسة القرآن الكريم، وتفسيره وتعلم أحكامه.
وأخيراً، فإن أقل ما نفعله في هذا الشهر الكريم هو أن نعوّد أنفسنا على الإكثار من تلاوة القرآن، حتى لا يشملنا قول الله تعالى: ﴿وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَٰذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا﴾ [سورة الفرقان:30].