العلاقات الإنسانية بين مشاعر المحبة وسلوك الاهتمام

ت + ت - الحجم الطبيعي

يعيش الإنسان منذ أيامه الأولى وسط مجموعة أفراد يعبرون عن أسرته، ومع تطور مراحل الحياة المختلفة تنشأ لديه مجموعات أخرى، مثل الأصدقاء، وزملاء الدراسة، ولاحقاً زملاء العمل، وغيرهم. علاقة الإنسان بمحيطه الاجتماعي تكون عادة مركبة، إذ تحكمها العديد من العناصر والمتغيرات المتداخلة، التي تسهم بشكل مباشر أو غير مباشر في رسم أبعاد تلك العلاقة، وتحديد ملامحها العامة. 

مقال اليوم يدور في فلك العلاقات الإنسانية، التي تربط الفرد بالأشخاص المحيطين به، سواء تعلق الأمر بالمقربين، الذين تربطه بهم علاقات لا رسمية، أو بأولئك الذين يتواصل معهم بشكل رسمي، علماً بأن الطرح سوف يركز على متغيرين بشكل محدد، هما مشاعر المحبة، وسلوك الاهتمام. 

فيما يتعلق بمشاعر المحبة يمكن القول إنها مجموعة انفعالات داخلية، يمكن للفرد أن يجتهد في تشخصيها، وتعريفها، وتحليل مضامينها بالشكل، الذي يعتقد أنه صحيح، علماً بأن هذه المشاعر قد لا تكون ثابتة بالمطلق؛ أي أنها قابلة للتغيير، بما يتوافق مع الظروف المحيطة، أو نتيجة حدوث تغيرات في الميول والاتجاهات والأولويات والتفضيلات الشخصية.

في حال نشوء مشاعر محبة من شخص تجاه شخص آخر كيف يمكن للآخر أن يدرك تلك المشاعر، ويتأكد من وجودها ؟ هل يمكن لعملية الإدراك أن تتحقق من خلال الألفاظ والأقوال ؟ في تقديرنا الشخصي، ربما تؤدي الكلمات المنطوقة أو المكتوبة دوراً ابتدائياً في إيصال مشاعر المحبة بين الأشخاص، ولكن مع مرور الزمن، سوف تفقد تلك الكلمات بريقها، وتصبح بمثابة جسد بلا روح؛ إذ ينبغي أن يتم تدعيمها بتصرفات عملية، تترجم الأقوال النظرية إلى سلوكيات ملموسة. 

ما نود قوله: إن مشاعر المحبة ينبغي أن تظهر على هيئة سلوك اهتمام عملي؛ على اعتبار أن السلوك مرآة عاكسة للمشاعر. هذه المرآة إن لم تتوفر في عالم الواقع فلن تكون للمشاعر قيمة تُذكر، لتوضيح هذه المسألة يمكننا إيراد مجموعة من التساؤلات المحفزة للتفكير. 

- ما قيمة محبة أب لعائلته، في الوقت الذي لا يراعي فيه مصالح أفراد الأسرة، ولا يهتم بتلبية احتياجاتهم ؟

- ما قيمة محبة أخ لأخته، في الوقت الذي لا يتفاعل فيه مع مشاكلها الشخصية، ولا يهتم بأمور حياتها ؟ 

- ما قيمة محبة زوج لزوجته، في الوقت الذي لا يساعدها في أعمال ونشاطات المنزل، ولا يهتم بتوفير دعم ميداني حقيقي لها ؟ 

- ما قيمة محبة صديق لصديقه، في الوقت الذي لا يقدم له يد العون عند الحاجة، ولا يهتم بمساعدته عندما يتعرض لمشكلات في معيشته ؟

- ما قيمة محبة معلم لطلبته، في الوقت الذي لا يعلمهم بشكل رصين، ولا يهتم بتزويدهم بمعلومات ومعارف تنفعهم في حياتهم ؟

- ما قيمة محبة مدير لموظفيه، في الوقت الذي لا يمنحهم ما يستحقونه من توجيه وتحفيز، ولا يهتم بتطوير كفاءاتهم الوظيفية ؟

تأسيساً على التساؤلات السابقة يمكننا القول: إن المشاعر الإنسانية الإيجابية تفقد قيمتها، وتصبح صفراً على الشمال؛ عندما لا تقترن بسلوكيات تعبر عن مضمونها بشكل واضح وصريح، لذلك من يمتلك مشاعر محبة تجاه شخص ما فعليه أن يجتهد في ترجمتها إلى سلوكيات اهتمام عملية، وإلا أصبحت عديمة التأثير، ومن دون جدوى.

Email