كلمات بينغ وبوتين الأخيرة.. والسوشيال ميديا

ت + ت - الحجم الطبيعي

«الآن هناك تغييرات لم نشهدها منذ 100 عام.. وعندما نكون معاً، نقود هذه التغييرات».

هذه هي العبارة التي قالها الرئيس الصيني شي جين بينغ للرئيس الروسي فلايمير بوتين خلال زيارته المهمة لموسكو الأسبوع الماضي، ورد بوتين على كلام بينغ بقوله: «أوافق»، وعقب انتهاء زيارة بينغ التي استمرت 3 أيام وعلى سلم الطائرة في المطار قال الرئيس الصيني لنظيره الروسي:

«اعتن بنفسك يا صديقي العزيز». ورد عليه بوتين بقوله: «رحلة موفقة».

هذه المحادثة القصيرة جداً بين بوتين وبينغ كانت حديث وسائل التواصل الاجتماعي العالمية. ووصل الأمر إلى حد اعتبارها إعلاناً موجهاً لمن يهمه الأمر بالتحالف بين الدولتين في مواجهة الغرب، خصوصاً أمريكا.

بالطبع فإن طبيعة التعليقات كانت شديدة العاطفية، وتتوقف على موقف ومكان ورؤية كل شخص، وهل هو متعاطف مع روسيا والصين، أم مع الولايات المتحدة والغرب.

وبما أن الخبر منشور على أحد المواقع الإعلامية الروسية فكان من الطبيعي أن تكون غالبية التعليقات على هذه الكلمات الأخيرة للزعيمين، متعاطفة مع روسيا والصين، ومبشرة بولادة تحالف عالمي سوف يطيح بأمريكا والغرب كما يعتقدون.

الفيديو الذي تضمن هذه المحادثة القصيرة جداً تم نشره على نطاق واسع، وبلغات متعددة على العديد من وسائل التواصل الاجتماعي.

أحد المغردين وصف المحادثة بأنها «تختصر زيارة الرئيس الصيني لروسيا»، ومغرد آخر قال: «برأيي أن من قصر النظر حصر كل ما جرى خلال الزيارة في هذه المحادثة، وأن ما تحقق يؤسس لعصر جديد على أقل تقدير، وهذا الزخم يحتاج إلى تحليل منطقي بعيداً عن العاطفة».

ومغرد ثالث كتب يقول: «ستكون هذه الزيارة فاصلاً تاريخياً من الناحية السياسية والاقتصادية، فالدولار لن يعود العملة الرئيسية للطاقة وستزول هيمنته، كما أن هيمنة القطب الواحد التي أصبحت آيلة للزوال، لن تعود مقبولة من شعوب الأرض جميعاً، رغماً عن تحالف بعض حكوماتها مع الهيمنة الغربية». ومغرد اسباني كتب: «وداع تاريخي بين بينغ وبوتين».

ما سبق عينة بسيطة لما كتب تعليقاً على هذه المحادثة البسيطة والسريعة في نهاية زيارة الرئيس الصيني لموسكو، واخترت أن أعلق اليوم على رأي الناس في هذه المحادثة القصيرة بين بوتين وبينغ، كي ألفت النظر أكثر إلى الدور المهم الذي صارت تلعبه وسائل التواصل الاجتماعي في صياغة أفكار الناس بغض النظر عن مستوياتهم السياسية والاقتصادية والاجتماعية.

من وجهة نظري فإنه ورغم الفوائد الكثيرة لوسائل التواصل الاجتماعي، إلا أنها أسهمت في شيوع حالة من التضليل والأفكار المعلبة والتصورات المبالغ فيها والتحيزات بل وأحياناً الخرافات.

عدد كبير من المتفاعلين على وسائل التواصل الاجتماعي يتعاملون مع الأحداث والتطورات السياسية بالطريقة التي يتعامل بها جمهور الألتراس ومشجعو الدرجة الثالثة في مباريات كرة القدم، وليس حتى جمهور الكرة المثقف والفاهم والمعتدل.

أعرف بعضاً من هذا الجمهور المتحمس والمتعصب جداً سواء لروسيا والصين أو لأمريكا والغرب. كل طرف يعتقد أن فريقه أو الدولة التي يشجعها، سوف يفوز على الفريق الآخر بالضربة القاضية بحيث يمحوه تماماً من الوجود.

قابلت سيدة مصرية في الأربعين من عمرها ترى أن روسيا حسمت المعركة لصالحها منذ البداية، وأن الغرب انهزم وأوكرانيا صارت أنقاضاً، واقتصاد أوروبا ينهار أو في طريقه للانهيار، وأن الدولار الأمريكي سوف يفقد عرشه قريباً، وحينما قلت لهذه السيدة إن الواقع قد لا يكون بهذه الصورة القاتمة اتهمتني بأنني رجعي وامبريالي وبورجوازي!.

أما الطرف الثاني فيرى أن أمريكا نصبت فخاً محكماً لروسيا وجعلتها تغرق في المستنقع الأوكراني، وكشفت أن معظم أسلحتها بلا فعالية واقتصادها من الدرجة المتوسطة وهي في طريقها لهزيمة روسيا بصورة كاملة وأن حلف الأطلسي صار يحاصر روسيا من عدة جهات كما أنه يستنزفها بصورة مستمرة بحيث يسقطها تماماً بحيث لا تعود تعتقد أنها قوة عظمى. وأن الحرب الباردة بين الصين وأمريكا سوف تنتهي لا محالة لصالح الأخيرة.

وحينما قلت لأحد أصحاب هذه الرؤية إنها مبالغ فيها كثيراً وتفتقر للواقع، اتهمني بأنني شيوعي متخفٍ.

للأسف عدد كبير من الناس صار يفكر بهذه الطريقة الحدية المتطرفة، ولا يحاول أن يجهد نفسه ليرى الصورة الكاملة قدر الإمكان، وأن الحقيقة غالباً تقع في منطقة وسط ما بين الرؤيتين المتناقضتين.

لكن هل معنى كلامي السابق أن زيارة الرئيس الصيني لموسكو لم تكن مهمة؟!.

الإجابة لا بالقطع، فهي زيارة شديدة الأهمية ولها تأثيرات ذات مدى بعيد، وبالتالي فهي تحتاج إلى قراءة هادئة ومتعمقة حتى نرى تأثيراتها من جوانب عدة بعيداً عن رؤى جمهور الألتراس المتطرفين.

*رئيس تحرير صحيفة الشروق المصرية

Email