أزمة أوكرانيا وخطر الحسابات الخاطئة

ت + ت - الحجم الطبيعي

تشهد الحرب الدائرة في أوكرانيا منذ أكثر من عام مؤشرات على تصعيد خطير بين المعسكرين الروسي والغربي يمكن أن يقود إلى اتساع دائرة الحرب ومداها وخطورتها على العالم كله في حال أخطأ أحد الطرفين أو كلاهما حساباته في لعبة صراعات القوى. أول هذه المؤشرات هو الاحتكاك العسكري المباشر الأول من نوعه بين موسكو وواشنطن، والذي تمثل في إسقاط طائرة التجسس الأمريكية المسيرة MQ-9 المتطورة بعد اعتراض مقاتلتين روسيتين لها فوق مياه البحر الأسود، وبصرف النظر عن الروايتين الأمريكية والروسية للحادثة، فإنها مثلت أول مؤشر على إمكانية أن تتسع دائرة المواجهة بصورة خطرة.

المؤشر الثاني تمثل في تعهد نائب وزير الدفاع البريطاني أنابيل غولدي بنقل ذخيرة اليورانيوم المخصب إلى كييف، في خطوة فسرتها روسيا على أنها خطوة أولى في طريق المواجهة النووية بين روسيا والغرب على حد تعبير وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو، الذي حذر من أن خطوات أقل متبقية قبل حدوث «صدام نووي» محتمل بين الجانبين، فيما رد الرئيس الروسي بالإعلان عن نشر أسلحة نووية تكتيكية في بيلاروسيا. المؤشر الثالث يتمثل في تركيز الحديث في المرحلة الحالية على التصعيد العسكري والتسليح واستبعاد أية وسيلة للتسوية السلمية للحرب والصراع، فالغرب الأوروبي والأمريكي يقوم بمناقشة تزويد كييف بأسلحة أكثر تطوراً في مواجهة موسكو، بما في ذلك مقاتلات وأنظمة دفاع جوي ودبابات حديثة، وسط حديث عن استعدادات لهجوم كبير في الربيع. وخطورة هذا الوضع أنه يفتح المجال أمام مزيد من التصعيد العسكري الذي قد يتسع مداه بشكل خطر، مع استبعاد احتمالات الحوار والتسوية، والذي تمثل واضحاً في الرفض السريع لمحاولة الصين طرح مبادرة للتسوية بدعوى أن صدورها من الصين يعني أنها ستخدم مصالح روسيا فقط.

ويزيد من تعقيد الأمر تفاقماً حالة الاستقطاب الدولي بصورة غير مسبوقة، حيث تم النظر إلى زيارة الرئيس الصيني لموسكو ولقائه بالرئيس الروسي بوتين على أنها تأكيد للتحالف الاستراتيجي بين البلدين في مواجهة المعسكر الغربي، ولاسيما مع تأكيد البيان الختامي للزيارة إصرار البلدين على التحول لعالم جديد متعدد الأقطاب، في وقت تتزايد زيارات قادة المعسكر الآخر لكييف، وآخرها قيام رئيس الوزراء الياباني فوميو كيشيدا بزيارة غير معلنة إلى العاصمة الأوكرانية، بعد ساعات من زيارة الرئيس الصيني لموسكو، وهو ما يشير إلى أن حالة الانقسام والاستقطاب العالمي وصلت إلى مستويات خطيرة.

وسط هذه الحالة من التصعيد والاستقطاب الحادة والحسابات المتباينة لكل الأطراف تبرز خطورة الحسابات الخاطئة المحتملة من جانب أي طرف من أطراف هذه المواجهة ضمن لعبة صراعات القوى، فتوجيه أي رسالة بشكل خاطئ أو فهم الرسائل بشكل خاطئ ربما تكون له عواقب خطيرة لا يستطيع العالم كله تحملها. وتبلغنا تجارب التاريخ أن الصراعات الكبرى تحدث بسبب هذه الحسابات الخاطئة أحياناً. ومن هنا تأتي أهمية إعلاء صوت العقل والحكمة، وإفساح المجال أمام الحلول السلمية لتسوية هذا الصراع، حتى يتجنّب العالم كله مخاطر الانزلاق إلى ما لا يحمد عقباه.

Email