أول فندق افتتح في الكويت، هو «فندق شيرين» نسبة إلى صاحبه يوسف شيرين. والأخير ليس سوى «يوسف محمد حسين بهبهاني» الذي ولد في حي الشرق سنة 1892 استوطنت عائلته الكويت في الربع الأخير من القرن 19 على أقل تقدير، حيث نشأ وتربى مع إخوانه الثلاثة محمد قاسم وإسماعيل وعلي، وأخواته الثلاث مريم وسارة وخير النساء، قبل أن يتزوج وينجب من البنين يعقوب ومراد ومحمد صالح ومحمد رضا وأحمد، ومن البنات معصومة ورضية وفاطمة ومكية ووجيهة.

افتتح شيرين الفندق سنة 1947 في ساحة الصفاة بالقرب من المبنى القديم لوزارة الدفاع في موقع سوق الحريم، وترافق الحدث مع بروز البلاد اقتصادياً وازدياد أنشطتها التجارية وتزايد عدد الوافدين إليها بعد اكتشاف النفط.

وبالنسبة لكلمة شيرين التي ارتبطت باسم الرجل كلقب، عوضاً عن لقبه الأصلي (بهبهاني)، فقد أخبرنا «هارولد ديكسون» الوكيل السياسي البريطاني في الكويت في أحد تقاريره لعام 1933 أن اللقب أعطي ليوسف بهبهاني من قبل البحارة والتجار، وأن الرجل يُعتبر من أبرز الشخصيات. ثم كتب عنه ما يلي: «عمره 50 عاماً،.. يعمل حالياً في التجارة بشكل واسع مع ثلاثة من أبنائه (من أصل خمسة) في الأجهزة اللاسلكية والساعات وأجود البضائع المجففة... ومعروف عنه الكرم».

والحقيقة، وكما يتبين من التقارير البريطانية التي كــُتبت ما بين عامي 1936 و1944 عن الكويت، ومن المرويات الشفهية، أن اسم «شيرين» أطلقه على الرجل أشخاص كويتيون بسبب عذوبة لسانه وطيب معشره وبشاشته الدائمة.

تحدث الباحث الكويتي الدكتور «محمد إبراهيم حبيب» عن يوسف شيرين وجذوره العائلية وأنشطته التجارية ودوره مع غيره من رجالات الكويت في تأسيس النظام الاقتصادي الذي ترافق مع مرحلة توطيد الكيان السياسي الذي بدأ في ظل حكم الشيخ مبارك الصباح، أي منذ عام 1899 حينما وضعت البلاد تحت الحماية البريطانية، وما تلا ذلك من اعتراف الدول العثمانية باستقلالها بموجب الاتفاقية الانجلو تركية لعام 1913، وذلك طبقاً لما نشرته صحيفة القبس (24/‏‏‏10/‏‏‏2012)، فأخبرنا أن تجارة «يوسف شيرين» لم تكن متنوعة فحسب وإنما كانت أيضاً متميزة.

لم تقتصر تجارة شيرين على استيراد وبيع المكسرات والفواكه المجففة والمواد الغذائية، وإنما شملت أيضاً استيراد السجائر. وهناك من الوثائق الجمركية ما يؤكد ويدعم ذلك.. يقول الباحث «الحبيب» استناداً إلى مطالعاته للوثائق والسجلات البريطانية الخاصة بتلك الفترة إن تعاملات «يوسف شيرين» أو «يوسف بهبهاني» التجارية انتقلت لاحقاً من المحيط الإقليمي الضيق إلى المحيط العالمي.. كما قام شيرين أيضاً بعملية نقل الحجاج براً إلى بيت الله الحرام في مكة المكرمة، خصوصاً وأن تلك العملية كانت تتطلب في تلك الأزمان جهوداً جبارة. وفي هذا السياق يخبرنا الباحث «الحبيب» استناداً إلى وثيقة عثر عليها أن «حجي يوسف بهبهاني» تعاقد للغرض سالف الذكر مع متعهد سيارات سوري الأصل يدعى «عبد الرزاق الشامي» على أن يعطي الأول للثاني نسبة 8 % نظير أجرة توصيل الحجاج من وإلى مكة المكرمة.. لم يعش «حجي يوسف بهبهاني» طويلاً بعد استقلال الكويت ليرى ويتلمس النهضة الاقتصادية والتنموية الجبارة التي شهدتها.

إذ توفي في الكويت سنة 1963. ومما قرأته بصحيفة الأنباء الكويتية (22/‏‏‏1/‏‏‏2013)، ارتباط اسم يوسف شيرين بـ «بيت السدو» بالكويت، وهو مبنى تاريخي وشاهد حي على جوانب مهمة من التاريخ الثقافي والاجتماعي والمعماري للكويت.

فطبقاً لما ورد في محاضرة للمؤرخ الكويتي فرحان الفرحان ضمن فعاليات مهرجان القرين الثقافي التاسع عشر في يناير 2013، فإن «بيت السدو» بناه الوجيه يوسف المرزوق سنة 1929 بمنطقة القبلة، فكان أول منزل خاص في الكويت يتم بناؤه من الأسمنت والكنكريت المسلح وتحت إشراف معماري هندي جيء به من بلاده خصيصاً لهذا الغرض. وأضاف الفرحان إنه في عام 1938 اشترى يوسف شيرين هذا البيت ليستخدمه كسكن لعائلته، لكنه قام قبل الانتقال إليه بإضافة تعديلات عليه.. وفي عام 1952 تم إدخال الكهرباء إلى البيت فركبت في غرفه المراوح والمصابيح. ولاحقاً حينما بدأت الأسر الكويتية، ومنها أسرة يوسف شيرين بهبهاني، تنتقل إلى المناطق السكنية الحديثة قامت الدولة بشراء هذا البيت التاريخي ليصبح منذ العام 1979 مقراً للجمعية الحرفية التعاونية للسدو.

ولا يكتمل حديثنا عن هذا الرجل، الذي ارتبط بعلاقات وثيقة مع حكام وشيوخ الكويت من آل صباح الكرام، إلا بالحديث عن واحد من أشهر أبنائه الذين لازموه وعملوا معه، بل وساروا على خطاه في المغامرات التجارية وتعريف المجتمع بكل ما هو غريب ومبتكر، ألا وهو المرحوم «مراد يوسف محمد حسين بهبهاني» (ولد عام 1918 وتوفي عام 2005). اشتهر «مراد بهبهاني» باستيراد أجهزة الراديو إلى الكويت.

ففي أحد التقارير التي اطلع عليها الباحث «الحبيب» هناك ما يفيد أن «مراد بهبهاني» قام في عام 1943 باستيراد مائة جهاز راديو من إنتاج شركة «بيلارد» السويسرية..

أما إخوان «مراد بهبهاني» مثل «محمد صالح» و«محمد رضا» فقد عملوا أيضاً مثله في التجارة واستحوذوا على وكالات لعلامات تجارية معروفة، فيما اشتهر أخوهم الأكبر «يعقوب يوسف بهبهاني» في منطقة الخليج باستحواذه على وكالة واحدة من أشهر ساعات المعصم في الخمسينيات والستينيات وهي ساعة «وست أند».