قبسات

اجتهاد السلف

ت + ت - الحجم الطبيعي

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله. لما فضّل الله عز وجل شهر رمضان وخصّه بالخصائص والمزايا، فقد اجتهد لأجل إدراك فضائله وخيراته من اجتهد من السلف الصالح، وخصوصاً في العشر الأواخر منه، طلباً لليلة القدر، التي هي خير من ألف شهر، ومعنى ذلك على قول جماعة من أهل العلم أن العمل الصالح فيها خير من عمل ألف شهر في غيرها.

ومن أبرز صور اجتهاد السلف الصالح في رمضان: قيام الليل، وتلاوة القرآن. وأما الاعتكاف فهو أعلى مراتب الاجتهاد طلباً لليلة القدر، حيث يفرغ المرء نفسه ويخلو بها ذاكراً داعياً ربه عز وجل، قائماً مصلياً وتالياً للقرآن العظيم؛ وذلك لفعل النبي، صلى الله عليه وسلم، فكان يلقاه جبريل في كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن، وكان يقوم الليل، ويعتكف في العشر الأواخر «قطعاً لأشغاله، وتفريغاً للياليه، وتخلياً لمناجاة ربه وذكره ودعائه».

يقول ابن رجب: «واعلم أن المؤمن يجتمع له في رمضان جهادان لنفسه: جهاد بالنهار على الصيام، وجهاد بالليل على القيام، فمن جمع بين هذين الجهادين ووفّى بحقوقهما وصبر عليهما وُفّي أجره بغير حساب».

فأما اجتهادهم في قيام الليل: فيروى عن أبي بكر وأبي بكرة، رضي الله عنهما، أنهما كانا يقومان من الليل كقيامهما في بقية السنة، فإذا دخلت العشر؛ اجتهدا فيها. وعن السائب بن يزيد أنه قال: أمر عمر بن الخطاب أبي بن كعب وتميماً الداري أن يقوما للناس بإحدى عشرة ركعة. قال: وقد كان القارئ يقرأ بالمئين حتى كنا نعتمد على العصي من طول القيام، وما كنا ننصرف إلا في فروع الفجر. كذلك كانوا يتوكؤون على عصيهم في عهد عثمان بن عفان، من شدة القيام.

ويقول عبدالله بن أبي بكر: كنا ننصرف من القيام في رمضان، فنستعجل الخادم بالطعام مخافة الفجر. ويروى عن زيد بن أرقم، رضي الله عنه، أنه كان يحيي ليلة سبع عشرة من رمضان فيصبح وعليه آثار الجهد والسهر. وأما اجتهادهم في تلاوة القرآن فكان عبدالله بن مسعود، رضي الله عنه، يختم في كل سبع، فإذا دخل رمضان ختم في كل ثلاث. وورد عن قتادة، رحمه الله، مثل ذلك، وإذا دخلت العشر ختم في كل ليلة. وكان الأسود بن يزيد، رحمه الله، يختم في كل ليلتين. وعن غيرهم من أئمة السلف حول ذلك من اجتهادهم في تلاوة كتاب الله في رمضان خصوصاً.

هذه بعض آثار أهل العلم والفضل، الذين عرفوا قدر رمضان وأيامه ولياليه، فاجتهدوا فيها، وخصوا ليالي العشر منها، كما كان رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يفعل، اغتناماً لأعمارهم، فإنها فرصة قد منّ الله عليهم بها أن بلغهم رمضان وليلة القدر، فلم يفرطوا بهذه النعمة، بل اغتنموها بالاجتهاد في العمل الصالح.

Email