«حكايات أهل الفن»

أول أغنية عربية على أسطوانة

ت + ت - الحجم الطبيعي

شدتني تغريدة للإعلامي الكويتي الدكتور يوسف عبد الوهاب السريع حول أول أغنية عربية سجلت على أسطوانات، فرحت أبحث في المصادر المختلفة عن الموضوع إلى أن اهتديت إلى التفاصيل، وفيها أن أول مطربة عربية تم تسجيل غنائها على أسطوانات كانت الفنانة السورية «ملك سرور»، وكان ذلك في مدينة شيكاغو الأمريكية في عام 1893 خلال رحلتها الفنية إلى الولايات المتحدة في تلك السنة. أما الأغنية فقد كانت موشح «يا يوم حبيبي» من ألحان الشيخ أحمد أبو خليل القباني (1833 ــ 1903) الذي رافقها إلى أمريكا، علماً أن هذه الأسطوانة محفوظة في مكتبة جامعة هارفارد الأمريكية العريقة.

وملك سرور، التي كانت محبوبة الجماهير في أواخر القرن 19 بسبب صوتها وجمالها، ليست فقط أول مغنية عربية يسجل غناؤها على أسطوانات، وإنما هي أيضا أول امرأة تغني على المسارح المصرية في عام 1897 كاشفة الوجه مع عازفات سافرات أيضاً. ففي تلك الأيام لم يكن المصريون قد عرفوا بعد المسرح الغنائي الاستعراضي، وكان عهدهم بالمطربة أن تجلس وسط التخت محجبة وعلى رأسها البرقع الأسود وملتفة بملاءة تستر جل جسمها. فجاءت ملك سرور مع جوقة الأديب والشاعر والملحن الشيخ القباني لتبهرهم بحسنها وأدائها وحضورها الطاغي. وحول هذا كتب الممثل المصري عمر وصفي في مذكراته قائلاً: «أصبح الناس لا حديث لهم إلا المطربة الحسناء الجديدة ذات الصوت الساحر الرخيم التي تظهر على المسرح سافرة الوجه الفتان، ومرت الأيام واسم ملك سرور يزيد ذيوعاً بين الناس في كل مكان».

أما قصة وصولها إلى مصر، فملخصها أن فرقة الشيخ القباني المسرحية كانت تنافس فرقة إسكندر فرح المصرية الغنائية التي كان من ضمن مطربيها الشيخ سلامة حجازي على جذب الجمهور المصري، ولأن مسرحهما كانا قريبين بمنطقة العتبة القاهرية فإن الجمهور اعتاد أن يذهب إلى مسرح الأول للمشاهدة ثم ينتقل إلى مسرح الثاني للسماع. أراد القباني أن يضيف إلى مسرحه الغناء للاستئثار بالجمهور كله، فسافر مع شريكه إلى دمشق للإتيان بالمطربة الحلبية الفاتنة ملك سرور التي لم تكن تجيد سوى أداء الأدوار الشامية والبغدادية، الأمر الذي استدعى عرضها لتدريب شاق وطويل على الطقاطيق والأدوار المصرية في الإسكندرية قبل المجازفة بتقديمها للجمهور المصري، إلى أن نجحت بذلك.

والغريب أنه لا توجد معلومات وافية عن ملك سرور، كما لا توجد لها تسجيلات سوى موشح «يا يوم حبيبي»، لعدم وجود أجهزة التسجيل في زمنها عند العرب. لكني قرأت تحقيقاً عنها كتبه أحمد إبراهيم الشريف في صحيفة «المصري اليوم» (26/‏‏4/‏‏2022) جاء فيه أن القباني أخضعها خضوعاً تاماً وقيد حركتها ومنعها من الاختلاط بالناس بحجة أن ذلك من دواعي المحافظة على فنها، إلى درجة أن فناناً كبيراً مشهوراً في تلك الفترة مثل عبده الحامولي لم يتمكن من لقائها للتعرف عليها. وهكذا عاشت ملك سرور في مصر معزولة عما يحيط بها، ولا تلتقي إلا بزوجها السكير «رحمين أفندي» وخال زوجها، إلى أن ظهر في حياتها الشاب اليهودي الثري «جاك سيون»، حيث أحبها بجنون وأغراها بالمال والوعود بشهرة مضاعفة وثراء فاحش إنْ تركت زوجها وانقلبت على القباني، إلى أن نجحت خططه، فطردت زوجها إلى الشارع فقيراً يقتات على بيع أوراق اليانصيب، وتزوجت الثري. وكان زواجها من «جاك سيون» خاتمة مشوارها في عالم الغناء.

Email