لا تحمل العالم على ظهرك!

ت + ت - الحجم الطبيعي

عندما تحمل على كتفيك عدداً كبيراً من أعباء السنين تدرك أنك لم تكن ملزماً أن تحمل العالم. وأصلاً لم يطلب أحد منك ذلك كما كنت تظن.

لا تعود تفكر في إصلاح الكون وتنتبه إلى ما قاله حكيم: «في سن الثامنة عشرة يفكر الإنسان في إصلاح العالم، وفي الثلاثين يفكر في إصلاح وطنه، وفي الأربعين في إصلاح منطقته، وفي الخمسين في إصلاح بيته، أما في الستين فيفكر في إصلاح نفسه فقط».

مشاكل المجتمعات تتمثل في ما قاله الفيلسوف الروسي ليو تولستوي «الجميع يفكر في إصلاح العالم، لكن لا أحد يفكر في إصلاح نفسه».

إذ إن مهمة إصلاح الذات ليست سهلة، لكنها تصبح أسهل تدريجياً مع النضج والتقدم في العمر، حيث إن مفهوم التقدم يختلف من شخص إلى آخر. البعض يقول كبرت، الآخر هرمت، الآخر عجزت، وذلك قياساً لعدد السنين. الأمر يعتمد على نظرتك للحياة ومفهومك للعيش.

الروح لا تشيخ ولا تهرم حتى لو خذلها الجسد. إن ذبلت ذبل، وإن تعبت تعب، وإن انطفأت انطفأ ومات. تعجبني مقولة «إن تقدم بك العمر، دعه يتقدم لا تذهب معه».

معادلة صعبة لكنها ليست مستحيلة. فأنت تستطيع صبغ الشعر الأبيض وإخفاء التجاعيد من وجهك، إلا أنك لا تستطيع تغيير تاريخ ميلادك. وحدها الروح لا تتجعد. خاصة عندما لا تحملها ما لا طاقة لها به. ترويها بندى الصبح وماء الزهر وتدلكها بورق الشجر الأخضر.

«لا لست رومنسياً»، لكنها الحقيقة التي تشغلنا عنها الصراعات والحروب ودماء القتلى التي تكاد تتناثر علينا من شاشات التلفزة. إنه الركض وراء لقمة العيش لنكتشف أننا شبعنا وترهلنا، ومرضنا من التخمة، ولم نزل نركض ونلهث، وهات يا برامج الريجيم وتخفيف الوزن! بينما السر والكنز في أمننا هو الطبيعة الزاخرة بالصحة والجمال والصفاء.

 

ولا شك أن التجديد يستوجب التغيير، والتغيير ممكن في أي سن من العمر، هذه حكاية قرأتها لسيدة على أعتاب السبعين سئلت، هل بالإمكان أن نتغير في أي مرحلة نريد من العمر؟

أجابت: نعم أنا أتغير، أدركت للتوّ أنني لست مثل أطلس في أساطير اليونان، والعالم لا يقف على ظهري. لقد توقفتُ منذ مدّة عن مساومة بائع الفواكه والخضار، ففي النهاية لن تزيدني بعض القروش غنىً، لكنها قد تساعد ذلك البائع المسكين على توفير مستلزمات لأبنائه.

صرتُ أدفع لسائق سيارة الأجرة من دون انتظار الباقي، فقد تضع المبالغ الإضافية ابتسامة على وجهه، على أيّ حال إنه يكدّ من أجل لقمة العيش أكثر مما أفعل أنا اليوم.

لقد تعلمتُ عدم انتقاد الناس حتى عندما أدرك أنهم على خطأ. ففي التالي لم يعد يهمّني إصلاح الناس، وجعل الجميع مثاليين. إن السلام مع الكل أفضل من الكمال الوهمي.

أصبحت أمارس فن المجاملات بسخاء وحرية بلا نفاق، إذ تعلمت بالخبرة أن ذلك يُحسّن المزاجَ ليس فقط لمن يتلقى المجاملة، ولكن خصوصاً بالنسبة لي أيضاً. وتعلمتُ ألا أنزعج عن تجعّد يحدث على قميصي أو اتساخ فيه. فبالتالي إن قوة الشخصية أهم بكثير من المظاهر.

اعتدت أن أبتعد بهدوء عن الناس الذين لا يقدرونني، فهم قد لا يعرفون قيمتي، لكنني أنا أعرف جيداً من أنا!

لقد صرت هادئة عندما أواجه أحدهم يستفزني بعدوانية كي يدخلني في جدل عقيم. في النهاية، لن يبقى من كل الجدالات شيء، وأنا لم أعد أحتمل. فأقول معك حق وأنسحب بهدوء، إذ تعلمتُ أن أعيش كل يوم بإيجابية وأطور في عملي. أعمل كل ما يجعلني أشعر بالسعادة، وأن أستمتع بحياتي، فالعمر يمضي وأولادي جزء من حياتي، وليس كل حياتي، وأن أكثر من طاعاتي فبعد موتي كم من سيذكرني؟ وإلى متى؟

وبالتالي فهمتُ بأني أنا المسؤول عن سعادتي في الدنيا وراحتي في الآخرة.

* كاتب أردني

Email