باب قد ينفتح على بكين

ت + ت - الحجم الطبيعي

لا يترك الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب إغراءً سياسياً، إلا ويسارع إلى تقديمه في مؤتمراته الانتخابية، لعل ذلك يجد صداه في صناديق الاقتراع، عندما يأتي أوانها في نوفمبر من العام المقبل، وعندما يكون هو مرشحاً وقتها في السباق الرئاسي. وسوف تشعر بأنه في مؤتمراته الأخيرة بدأ ينتقل من مربع كان يخاطب فيه الناخب الأمريكي، إلى مربع آخر راح فيه يخاطب الرأي العام حول العالم.

ومن ذلك على سبيل المثال، أنه في خطابه أمام المؤتمر السنوي للمحافظين الأمريكيين، الذي انعقد في واشنطن 4 من هذا الشهر، تكلم عن الحرب الروسية على أوكرانيا، وكيف أنه قادر على وقفها خلال ساعات، لو إنه فاز في السباق المقبل الى البيت الأبيض، وأن عنده الكثير الذي يمكن أن يقوله في هذا الشأن.

وهو يفعل ذلك عن قصد وعن عمد، لأنه يعرف طبعاً أن هذه الحرب صارت بتداعياتها جزءاً من حياة كل مواطن أمريكي، ولكنه يعرف أكثر أنها حرب تمثل شاغلاً من شواغل العالم كله، بل هي الشاغل الأهم منذ اشتعلت نارها في الرابع والعشرين من فبراير من السنة الماضية، ولأنه يعرف هذا جيداً، ولأنه صاحب تجربة انتخابية سابقة، فهو يمزج في حديثه الانتخابي بين مخاطبة الناخب داخل بلاده مرة، ومخاطبة قطاعات الرأي العام العالمي خارج الولايات المتحدة مرةً ثانية، وفي الحالتين يسعى إلى كسب صوت الناخب في الداخل، ثم إلى كسب درجة من تعاطف الناس خارج البلاد.

ولا شك أن الناخب هناك هو الأهم بلا منافس، لأنه هو الذي يأتي بفلان من المرشحين إلى المكتب البيضاوي في البيت الأبيض، وهو الذي يستبعد سواه من المرشحين في السباق، ولكن هذا لا يمنع أن يتوجه الخطاب الانتخابي في جانب منه إلى الذين يعيشون في أنحاء الكوكب، والذين اصطلوا ويصطلون بنار هذه الحرب، والذين سوف يصفقون طويلاً لمن ينجح في إسكات مدافعها.

وليس سراً أن المعاناة من تداعيات الحرب التي دخلت عامها الثاني في الرابع والعشرين من الشهر الماضي، لم تتوقف عند حدود طرفيها في روسيا وأوكرانيا، وأن طعامها المر توزع على كل الموائد في كل الدول، بما في ذلك كل مائدة داخل كل بيت أمريكي.

وبالتالي.. فالخطاب الانتخابي المباشر عنها مع الرأي العام على امتداد العالم، هو خطاب غير مباشر مع كل ناخب في كل ولاية أمريكية، وهو نوع من الغزل السياسي مع هذا الناخب، وهو محاولة لا تتوقف في اتجاه إقناعه بأن صاحب هذا الخطاب، أجدى بأن يعود من جديد الى البيت الأبيض.

ومن مسألة الحرب انتقل ترامب وينتقل إلى مسألة «كورونا»، وقد كان كما نذكر صاحب خطاب سياسي متشدد مع الصين في هذا الشأن، وقد بلغ في تشدده معها وقت انتشار الوباء وشيوعه في مختلف الدول، أنه لم يكن يجد أي حرج في أن يطلق على «كورونا»: الفيروس الصيني.

وفي آخر الشهر الماضي كانت وزارة الطاقة الأمريكية قد أعلنت أن أبحاثاً عن «كورونا» جرت في معاملها المتخصصة، وأن نتائج الأبحاث ترجح أن يكون الڤيروس قد خرج من مختبر في الصين، وما كادت الوزارة تذيع هذا الكلام من خلال تسريبات نشرتها صحيفة وول ستريت جورنال، حتى عبّرت الصين عن غضبها، وبادرت الى نفي ما يقال بقوة، كما نبهت الإدارة في واشنطن الى أن ترديد مثل هذا الكلام دون برهان ينال من العلاقة بين البلدين.

أما ترامب من ناحيته فذهب إلى ما هو أبعد بكثير، حيث قال كلاماً جديداً تماماً في الموضوع، وكان كلامه الجديد عن أنه سيحاسب الصين مالياً عن مسؤوليتها في القضية، لو إنه فاز وعاد إلى مكتبه البيضاوي.

وهذا كلام يفتح باباً غير مسبوق على الصين، ويجعلها ملتزمة بتعويض كل دولة طالها الوباء، وليس تعويض الولايات المتحدة الأمريكية وحدها، فيما لو ثبت بالدليل أن الفيروس خرج من مختبر على أرضها، ومن حديث ترامب في هذه النقطة تستشعر أنه يستطيع الذهاب في هذا الاتجاه الى أبعد مدى، وأنه لا يتردد في استعمال كل سلاح يستعيد به المقعد الرئاسي الذي لا يفارق خياله في كل الأوقات.

 

* كاتب صحافي مصري

Email