لعبت السينما المصرية دوراً كبيراً في محاربة ظواهر الخرافة والجهل والبدع المتفشية في أوساط العامة والبسطاء والجهلاء في المجتمع العربي، من خلال العديد من الأفلام التي دقت ناقوس الخطر من الوقوع في حبائل الدجالين والمشعوذين، ممن يستغلون سذاجة البعض لإيهامهم بأنهم قادرون على علاجهم من مرض، أو فك النحس عنهم، أو تطهيرهم من الجان، أو تحقيق أمانيهم في الإنجاب أو النجاح الدراسي، أو تولي وظيفة معتبرة وخلافه. وهذه الأفلام كثيرة، لا حصر لها، ومعظم قصصها تنتهي بفاجعة أو خسارة، بهدف أن يتعظ المشاهد ويعتبر، خصوصاً في مصر، حيث توجد أعداد كبيرة من قبور الأولياء والصالحين، التي تجذب العامة من أجل التبرك والدعاء والتمسح بالأضرحة، منتظرين الفرج والحل من أناس رحلوا قبل سنوات طويلة.

والأسوأ من هذا، ظهور طبقة من النصابين ممن يحيطون بهذه الأماكن، ويشجعون الناس على الزيارة والتبرع، أو المشاركة في بدع وطقوس معينة، كسباً للمال. ومن أمثلة ذلك، ما كتبه علي الكشوطي في نشرة «المعرض»، بتاريخ 30 يناير 2022، قائلاً: «إذا سنحت لك الظروف بالمرور في منطقة (الأنفوشي) بالإسكندرية، بجوار مسجد (أبو العباس)، ستجد الكثير من النساء يقفن طوابير طويلة، وفى أيديهن أكواب بلاستيكية. قد تعتقد أنه معمل تحاليل من باب السخرية. لكن السخرية الحقيقية، هي أنهن في انتظار ذبح (التِرسة) أو السلحفاة البحرية، لشرب أكواب من دمها، أملاً في الإنجاب. فالمرأة التي لا تنجب تقف في هذا الطابور تشتري كوباً من الدم، كي يساعدها على الإنجاب، وفق اعتقادها».

أحد أهم الأفلام التي كانت بمثابة صرخة قوية في وجه هذه الظواهر الاجتماعية الخطيرة، والممارسات الوثنية المتخلفة، بل كانت تحذيراً من عواقبها على الصحة والجسد، وتشجيعاً على نبذها لصالح العلم الحديث، هو فيلم «قنديل أم هاشم»، الذي أخرجه كمال عطية (1919 ــ 2008)، سنة 1968، عن رواية بنفس الاسم للأديب يحيى حقي. وتحكي قصة الفيلم، عن طبيب العيون الدكتور إسماعيل (شكري سرحان)، الذي يعود بعد تخرجه من ألمانيا، بُعيد الحرب العالمية الثانية، إلى حيه الشعبي، ويفتتح به عيادة لعلاج ناسه وأهله، ليكتشف بعد فترة تزايد أعداد المصابين بأمراض العين، بما فيهم خطيبته فاطمة (سميرة أحمد). وبعد البحث والتحري، يفاجأ بأن السبب هو استخدام الأهالي قطرات من زيت قنديل مسجد السيدة زينب (أم هاشم)، في أعينهم، تبركاً وطلباً للشفاء، فيحاول معهم، دون جدوى، أن يقنعهم بخطأ تصرفهم، وبيان أن العلم كفيل بتقديم العلاج الصحيح للأمراض، لكنهم يثورون عليه، بحجة أنه مسّ أحد معتقداتهم الدينية.

ومن الأفلام الأخرى التي تطرقت إلى الدجل والشعوذة وجهل المجتمع، فيلم «البيضة والحجر»، للمخرج علي عبد الخالق في عام 1990، الذي تدور أحداثه حول مدرس الفلسفة الفقير مستطاع (أحمد زكي)، الذي يسكن غرفة فوق السطوح في حي شعبي، ويحترف مهنة الدجل والشعوذة، مستغلاً في ذلك ذكاءه وسذاجة المجتمع، فيصبح في غمضة عين رجلاً ثرياً ومعروفاً، يتبرك به أهالي الحي ويجلونه. أما فيلم «المبروك»، الذي أخرجه حسن رضا سنة 1959، فتتلخص قصته في حافظ مبروك (محمود المليجي)، وزوجته بهية (سميحة أيوب)، اللذين يمارسان الدجل من أجل كسب المال، فيوقعان في شباكهما الأرملة الريفية الثرية بهيجة هانم (علوية جميل)، التي تثق فيهما، وتغدق عليهما المال من أجل علاج ابنتها «زينب» من أمراضها الزوجية.