من الملاحظ في كثير من المواقف أن أكثر الناس بساطة وسذاجة هم أكثر الناس ثقة بعلمهم وكفاءتهم، بالمقابل من يمتلكون علماً ومهارة حقيقية هم أقرب الناس إلى التواضع وإدراك الفرق بين ما يعرفونه حقاً وما يجهلون. قد نجد هذه الظاهرة أكثر وضوحاً وتجلياً في الأوساط الأكثر جهلاً وبين الأفراد الذين يتوهمون استحقاقهم للتفوق.

الجميل في ذلك أن العالمين ديفيد دونينغ وجوستن كروجر قاما بتفسير هذه الظاهرة وأبدعا في وصفها، والتي سميت لاحقاً بـ«تأثير دانينغ-كروجر». تفسر هذه الظاهرة التحيز الإدراكي الذي يميل إليه بعض الأشخاص الأكثر بساطة وغير المؤهلين للمبالغة في استحقاقهم وتقديرهم لعلمهم وكفاءتهم.

بالمقابل يميل بعض الأشخاص أصحاب العلم والمهارة الحقيقية إلى التواضع والتسليم بأن ما لا يعلمون أكثر بكثير مما يعلمون، وغالباً هم أكثر حساسية لإدراك الفرق بين ما يمتلكونه من مهارات ومعرفة حقيقية وبين ما يظنون أو يعتقدون أنهم يمتلكون؛ وعليه تنبهنا هذه الظاهرة إلى الوقوف قليلاً والتفكر في طريقة تفكيرنا وأسلوب تقييمنا لذواتنا، مع محاولة أن نكون أكثر موضوعية وتواضعاً وقدرة على التمييز بين ما نعلمه على وجه اليقين، وبين ما نجهله أو ما نظن أننا نعلمه من علم ومهارة قد نمتلكها، ولكن بشكل زائف.

رحم الله الخليل بن أحمد الفراهيدي، العالم البصري؛ إذ روي عنه أنه قال: الناس أربعة: فرجلٌ يدري وهو يدري أنه يدري، فذاك عالمٌ فخذوا عنه، ورجلٌ يدري وهو لا يدري أنه يدري، فذاك ناسٍ فذكِّروه، ورجلٌ لا يدري وهو يدري أنه لا يدري، فذاك مُسترشِدٌ فعلّموه، ورجلٌ لا يدري وهو لا يدري أنه لا يدري، فذاك جاهل فارفضوه.

ماذا لو كنا أكثر شجاعة في الاعتراف بنقاط ضعفنا وأوجه قصورنا؟ ماذا لو أدركنا أن محيط جهلنا أكبر بكثير من جزيرة معرفتنا؟ ماذا لو أدركنا أنه رغم كل ما تعلمنا فسيكون هناك من هو أعلم منا؟