عام على الحرب الروسية الأوكرانية.. من المستفيد؟

ت + ت - الحجم الطبيعي

مرّت أزيد من سنة على اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية ولا شيء يدلّ ويشير على أنّها ستنتهي قريباً، بل إنّ السيناريو الأرجح أن تتواصل هذه الحرب المدمّرة لقدرات البلدين ولمصالح دول أخرى في مناطق مختلفة من العالم وبالخصوص للأمن والاستقرار في أوروبا والعالم.وبمرور الأيام والأشهر يتبيّن أنّ المجهودات المبذولة لتأجيج نار الحرب أكبر بكثير من تلك الرامية إلى إحلال السلام والاستقرار.

وبدا واضحاً أيضاً أنّ أوروبا قوية مآلٌ قد لا تريده قوى إقليمية ودولية على رأسها أمريكا، ذلك أنّ الجمع بين إمكانات روسيا الضخمة مع تكنولوجية الغرب الأوروبي المتطوّرة، من شأنه أن يبني أوروبا موحّدة وقوية وقادرة على المنافسة، وهو ما يفسّر أنّ أمريكا تفعل المستحيل من أجل إدامة الحرب بما يمكن أن يؤدّي إلى الإبقاء على تبعية أوروبا .

وإضعاف روسيا، مع الحرص على عدم الدخول في مواجهة مباشرة معها والاكتفاء بخوض هذه الحرب بالوكالة، علّ ذلك يصل بالحرب إلى حدّ يحقّق الأهداف التي من أجلها تمّ إشعال فتيل الحرب و«يُضعف الاتحاد الروسي بشكل يمنعه مستقبلاً من تهديد أيّ دولة»، أو يؤدّي به إلى التفكّك على غرار ما حصل مع الاتحاد السوفيتي السابق وهو ما تطالب به أوكرانيا ودول مجاورة أخرى .

وكذلك دوائر مؤثّرة في الولايات المتحدة الأمريكية، ولكنّه سيناريو مرفوض بالمطلق من فرنسا وألمانيا.

وقد أكّد الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون مرّات عدّة وبصفة علنية وقاطعة أنّه «لا يقبل بهزيمة مهينة لروسيا» ناهيك عن تفكّكها لأنّ هذا السيناريو ستكون له تداعيات خطيرة على التوازنات الإقليمية والدولية في أوروبا وفي مناطق أخرى عديدة من العالم، فضلاً عن التخوفات المرتبطة بمآلات الترسانة النووية الروسية.

ويؤكّد هذا المنحى ما سرّبته صحيفة «وول ستريت جورنال» الأمريكية في عددها الصادر أول من أمس الاثنين من أنّ الرئيس الفرنسي قد يكون «أفهم الرئيس الأوكراني فلوديمير زيلنسكي خلال زيارته الأخيرة إلى فرنسا بأن «لا وجود لحلّ عسكري للنزاع».

وأنّ «على أوكرانيا اختيار توقيت بدء مباحثات السلام» لأنّه «ما من حرب تدوم ولا بدّ والحال تلك أن يلتفت الجميع ضرورة إلى ما بعد الحرب»، مشدّداً على أن ّالنزاع الطويل الذي جمع بلاده بألمانيا انتهى بتوقيع معاهدة سلام.

وهذه التسريبات التي، لم تنفها فرنسا ولم تؤكّدها، تزامنت تقريباً مع خطّة السلام الصينية من 12 نقطة التي أعلنتها بكين، وهي خطّة تلقتّها جلّ الأطراف ببعض الفتور، لأنّ الكلّ يحاول تحسين موقعه على الأرض قبل بدء المفاوضات.

المتحدّث باسم الكرملين قال بشأنها إنّ «روسيا لا ترى ظروفاً مواتية لبدء محادثات سلام مع أوكرانيا» قبل أن يستطرد ويعلن أنّ «كلّ مقترحات السلام التي تأخذ في الاعتبار مصالح كلّ الأطراف هي مرحّب بها».

وزير الدفاع الأوكراني أكّد في المقابل أنّ سياسة بلاده هي مواصلة الحرب وأنّ «لدى أوكرانيا خطّة لتحرير كلّ الأراضي الأوكرانية المحتلّة بما في ذلك شبه جزيرة القرم التي ضمّتها روسيا منذ 2014 وتنطلق الربيع المقبل»، باعثاً بذلك برسالة إلى حلفائه لحثّهم على مزيد من الدعم وتوفير الأسلحة المتطوّرة من أجل استرجاع كامل الأراضي الأوكرانية بما في ذلك شبه جزيرة القرم التي أصبحت تحت سيطرة روسيا منذ 2014، وهي كذلك رسالة أمل إلى الأوكرانيين لإقناعهم بأنّ تضحياتهم طوال السنة الماضية لم تكن بلا معنى.

الواضح أنّ نهاية هذه الحرب ليست على جدول أعمال من قام بإشعالها لأنّ أهدافها لم تتحقّق على الميدان، غير أنّ الأصوات في أوروبا بدأت تعلو لتعلن إصرارها على ضرورة وقف هذه الحرب التي تضرب في العمق الطموح الأوروبي الذي يجعل من القارة العجوز رقماً مهمّاً اقتصادياً مع الولايات المتحدة الأمريكية والصين، وقوّة أساسية في التوازنات الجيوسياسية.

ويبدو أنّ ألمانيا وفرنسا تحديداً على خلاف واضح مع الأهداف القصوى للحرب الروسية الأوكرانية كما حدّدتها الولايات المتحدة الأمريكية، بدءاً بإضعاف روسيا وحتّى تفكيكها، مروراً بتكثيف الضغوط على الصين ووصولاً إلى تأبيد تبعية أوروبا لها، ولكنّ العائق الأساسي أمام أوروبا أنّها لا تتكلّم بصوت واحد فيما يخصّ هذه الحرب وغيرها.

إنّ أدوات الولايات المتحدة لإدامة أمد الحرب وتحقيق أهدافها هي مزيد تسليح أوكرانيا دون الدخول في مواجهة مباشرة مع روسيا ومنع الصين وإيران بكلّ الطرق من تسليح هذه الأخيرة وتحفيز حلفائها من الأوروبيين على دعم أوكرانيا بسخاء.

ويحدث في عالم يتّجه لا محالة إلى نظام تعدّد الأقطاب أن تتعارض المصالح الوطنية للدول، وهو ما يحصل الآن.

إنّ الخاسرين في الحرب الروسية الأوكرانية بيّنون والرّابح كذلك، وهو ما يبدو أنّ بعض الدول الأوروبية وقفت عليه وهي لذلك تعمل على إيقاف نزيفها.

* كاتب تونسي

Email