ضحايا الزلزال وضحايا الإنسان.. «آلاء» السورية و«كيم» الفيتنامية

ت + ت - الحجم الطبيعي

«آلاء» اسم لن ينساه التاريخ، تماماً كما لم ينس «كيم». الأولى كادت تكون إحدى ضحايا الزلزال المدمر الذي ضرب سوريا وتركيا أخيراً. والثانية تلك الطفلة التي ركضت عارية من قذائف النابالم في حرب فيتنام. الأولى ضحية الزلزال والثانية ضحية الإنسان!

الطفلة السورية آلاء أبكت الملايين في مقطع الفيديو الذي ظهرت فيه وهي تحمي رأس شقيقها الأصغر منها تحت الأنقاض قائلة لرجل الإسعاف «طلِعنا..إذا بطلِعنا أنا وأخي بشتغل خدامة عندك».

آلاء ليست الوحيدة التي أبكت الملايين. فهذه الطفلة «ايلاف» التي تم انتشالها من بين الأنقاض تقول رداً على سؤال أحد المسعفين عما إذا كان ثمة أحد في المكان الذي انتشلت منه «نعم عمو، هناك أمي وإخوتي.. لكنهم ميتين»!

ثمة علاقة بين الكوارث الطبيعية وبين الحروب البشرية. كلاهما قاتل للإنسان مدمر للبنيان. لكن في الحروب تتحالف دول ضد دول. تستخدم أسلحة وصواريخ وقاذفات تدمر البنية التحتية وتقتل الجنود، الذين هم بشر أيضاً، من أجل حفنة تراب وقطعة من الأرض كما جرى في الحرب العالمية الأولى والثانية وكل الحروب التي شهدتها هذه الأرض التي وجدت ليعمرها لا ليدمرها الإنسان.

الأرض حليمة كالأم، لكنها تضرب وتزلزل. وحين تفعل ينتبه الإنسان لأخيه الإنسان، يسانده، يرسل المساعدات، يمحو الخطوط الحمراء وخلاف السياسات.

وإن كانت المأساة كبيرة على الذين قتلوا تحت أنقاض بيوتهم والذين فقدوا أهلهم وأقاربهم إلا أن الهبة التي قام بها الأشقاء لنجدة أشقائهم في سوريا وتركيا وتلك التي قامت بها العديد من دول العالم التي نحت خلافاتها السياسية وتوحدت بدافع الإنسانية في أرض الزلزال، لعل هذه الهبة تزيل عن النفوس ركام العداوات والأحقاد وتفتح الطريق إلى عالم أكثر أمناً وسلاماً.

لقد كان للمحطات الفضائية والمواقع الإخبارية ووسائل التواصل الاجتماعي الدور المهم في إيصال أنين الضحايا تحت الأنقاض سريعاً، صوتاً وصورة، إلى أنحاء العالم. وهذا هو الدور الإيجابي للإعلام. تماماً كما كان في الماضي قبل التطور التكنولوجي والشبكة العنكبوتية، بالصورة الثابتة.

وقتها كان للكلمة تأثير لكن التأثير الأهم كان للصورة. فبعد خمسين عاماً من حرب فيتنام لم تزل الصورة التي نشرتها الصحافة الأمريكية والتي كانت أحد أهم العوامل في إنهاء حرب فيتنام. صورة الطفلة الفيتنامية وقتها «كيم فوك»، وهي تهرول عارية وتصرخ «ساخن جداً، إنه ساخن جداً» بعد أن أحرقت النيران جسدها بقنابل النابالم المحرمة دولياً، محفورة في ذاكرة التاريخ.

وقد جسدت الصورة مدى بشاعة وفظاعة الحرب الأمريكية على فيتنام، والتقط الصورة المصور «نيك اوت» الذي حصل بسببها على جائزة «بوليتزر» عام 1973. فقد قامت الطائرات الفيتنامية الجنوبية بالتنسيق مع القوات الأمريكية بقصف قرية «تراج بانج»، قرية الطفلة «كيم فوك»، صاحبة الصورة، بقنبلة نابالم بعدما احتلتها القوات الفيتنامية الشمالية.

الصورة الأخرى التي أثرت في إنهاء حرب فيتنام هي صورة سجين في وسط سايغون عاصمة جنوب فيتنام سابقاً، هوتشي منه حالياً، وكان رئيس شرطة نظام سايغون المتحالف مع الأمريكيين يوجه عليه مسدسه ويطلق رصاصة في الرأس ليلقيه قتيلاً. على بعد أمتار منه كان يقف مصور «الأسوشيتد برس» ادي أدامز، الذي استغل وأدرك بحسه الصحافي أهمية اللحظة التاريخية القاسية فالتقط صورة للقاتل والقتيل. وكان للصورة دور كبير في تغيير الرأي العام الأمريكي وتساؤلهم عن الجانب الأخلاقي في الحرب وجدواها لشعب الولايات المتحدة.

سيظل العالم يتذكر صورة الطفل السوري ابن الثلاث سنوات الذي وجد ميتاً ملقى على بطنه على الساحل التركي حين التهمه البحر فيما كان أهله يحاولون الهرب من جحيم الحرب.

فكم من صورة ستتكشف عنها الأيام لضحايا الزلزال؟

 

* كاتب أردني

Email