التميز المؤسسي بين مواكبة التغيُرات وصناعة المستقبل

ت + ت - الحجم الطبيعي

في عالمنا المعاصر، لم يعُد التميز خياراً بالنسبة للمؤسسات الرصينة، بل أمراً لازماً يفرض على القادة والمديرين تصميم بيئات عمل حاضنة للإبداع والمبدعين، إلى جانب تفعيل المفهوم الإيجابي للتنافسية، سواء كانت تنافسية مع الذات أم مع الآخرين. الأمر المؤكد، أن موضوع التميز المؤسسي يُعد من الموضوعات الكبيرة، وله امتدادات معرفية واسعة تتعلق بالعديد من العلوم الإدارية والاجتماعية؛ لذلك سوف نخصص الطرح ضمن مقال اليوم على عنصرين، هما: مواكبة التغيرات، وصناعة المستقبل.

مواكبة التغيرات تعد من السلوكيات المؤسسية الإيجابية التي تتصف بها المؤسسات المميزة، علماً بأن المواكبة ينبغي أن تتزامن مع تفعيل مفهوم صناعة المستقبل؛ على اعتبار أن أفضل طريقة للسيطرة على تحديات المستقبل، ومخاطره المحتملة، تتمثل بالاجتهاد في صناعة أبعاده، ورسم ملامحه. 

المواكبة تحمل معاني ملاحقة التغيرات التي تحدث في البيئة الخارجية للمؤسسات، والتي تشمل التطورات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتقنية والقانونية، وكذلك ما يتعلق بالطبيعة والمناخ. ملاحقة التطورات في هذا الشأن تدفع المؤسسات إلى تبني سياسات، وبناء استراتيجيات، وتطبيق إجراءات تتوافق مع ما يحدث من مستجدات في البيئة الخارجية. وقد تظهر المواكبة من خلال محاكاة طرق وأساليب عمل ناجحة، تم اختبارها في مؤسسات أخرى، سواء تواجدت تلك المؤسسات في البيئة المحلية أو في البيئتين الإقليمية والعالمية. 

جدير بالذكر أن المواكبة لا تقتصر على التأثر بما يحدث في البيئة الخارجية، أو في مؤسسات أخرى. إذ إنها قد تتحقق من خلال الاستجابة لحاجات أو توجهات جديدة للأفراد العاملين في المؤسسة، أي أن المتغير المحفز للمواكبة هنا يكون داخلياً وليس خارجياً. 

البعد الآخر للتميز المؤسسي، يتمثل بصناعة المستقبل، وهو يعبر عن مفهوم مكمل لعملية المواكبة؛ إذ ينبغي على المؤسسات أن تجتهد في تعزيز إجراءاتها الخاصة بالمواكبة، من خلال رسم صورة إيجابية تعبر عن ملامح المستقبل المرغوب، ومن ثم بناء وتنفيذ الخطط اللازمة لتحقيق انتقال آمن وسلس نحو ذلك المستقبل. في هذا المقام، كلما كانت خطط العمل منضبطة، ومدعمة بتنفيذ فعال؛ ستكون عملية صناعة المستقبل أسرع، وبالتالي تتمكن المؤسسة المعنية من التفوق على منافسيها، وذلك من خلال الوصول إلى المستقبل قبل الآخرين.

تأسيساً على ما سبق، نستنتج بأن تحقيق واقع التميز يستلزم من المؤسسات مراعاة متغيرات البيئتين الداخلية الخارجية، مع أهمية الاستجابة لاتجاهات أصحاب المصلحة وأولوياتهم «Stakeholders». 

استجابة المؤسسات في هذا المقام يمكن أن تتم من خلال عملية المواكبة، المُعبرة في جوهرها عن رد فعل إيجابي لتلك المُتغيرات «Reaction»، أو من خلال تطبيق مفهوم الاستباقية، والذي يتحقق من خلال صناعة المستقبل «Proaction». 

ختاماً نقول، إن مواكبة التغيُرات وصناعة المستقبل، تواجه عادةً كثيراً من التحديات التي تفرض على الحكومات عموماً، والمؤسسات خصوصاً التعامل معها بحكمة. في هذا الشأن يقول صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي،رعاه الله، في كتاب «رؤيتي: التحديات في سباق التميز»، في الفصل الثالث، الموسوم: سباق الأمم والشعوب، ما نصّه: عندما نتحدث عن المستقبل فنحن نتحدث عن التحديات. طموحاتنا كبيرة ونتوقع أن تكون التحديات التي سنواجهها بحجم الطموحات، وستتوقف قدرتنا على تجاوز تلك التحديات على العمل والتخطيط والاستعداد والتفاؤل والثقة بأنفسنا وبقدراتنا، وعلى أملنا الكبير بأننا نستطيع أن نصل إلى أهدافنا. التحديات الكبيرة هي التي تصنع الشعوب الكبيرة، وحين أنظر إلى الماضي ثم أعود وأنظر إلى المستقبل فأنا مقتنع في قرارة نفسي بأننا سنتغلب على تلك التحديات وسنحقق النجاح لأننا فعلنا هذا في الماضي وسنفعله في المستقبل.

Email