القمة العالمية للحكومات حوار خلاق مستثمر للمعرفة والابتكار

ت + ت - الحجم الطبيعي

وسط بيئة عالمية مضطربة، ومتغيرات متسارعة، ومخاضات عالم جديد يلد من رحم عالم قديم، وملفات لم تكن خلال العقود الماضية محل نقاش أو تأثير أو انشغال مثل التغيير المناخي والذكاء الاصطناعي، شهدت مدينة الجميرا أخيراً فعاليات القمة العالمية للحكومات التي صادفت هذا العام مرور عشر سنوات على انطلاقتها المباركة سنة 2013.

وباعتباري أحد الذين شاركوا على مدى السنوات الماضية في جميع القمم العالمية للحكومات، وبالتالي كنت شاهداً على ميلادها ونشأتها ونموها، أستطيع أن أقول بكل ثقة إن هذا المحفل العالمي استطاع بتوجيهات صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، وجهود رئيس القمة معالي محمد عبدالله القرقاوي وزير شؤون مجلس الوزراء، أن يتحول اليوم إلى كيان حواري خلاق مستثمر للمعرفة والابتكار، ومنصة عالمية رائدة لاستشراف المستقبل، وتوجيه الحكومات إلى كيفية تسخير الابتكارات التكنولوجية لتحسين جودة الحياة، وإيجاد حلول مبتكرة للتحديات الأكثر إلحاحاً في عصرنا، وتعزيز قدرة الحكومات على استباق التغيرات الكونية المتسارعة والاستعداد المبكر لها.

هذا المحفل، الذي نجح في الارتقاء بنفسه رويداً رويداً حتى غدا اليوم محط الأنظار وموضع التقدير والاحترام وبوصلة تفاؤل واستشراف، قرر في ذكراه العاشرة أن يحتفل بالمناسبة بطريقته الخاصة، فحشد تحت مظلته نحو 10 آلاف مشارك من 150 دولة، بينهم نخبة منتقاة من قادة الدول والحكومات والمنظمات الدولية والإقليمية والوزراء والأكاديميين والمختصين والمفكرين ورجال الإعلام ورواد الأعمال ورؤساء الشركات العالمية الكبرى ورموز الابتكار والإبداع.

كما توخى أن تكون جلساته مكثفة (220 جلسة) ونوعية وذات محاور وعناوين جذابة مستمدة، مما يشغل عالمنا من تحديات آنية ومستقبلية، كالعولمة والرعاية الصحية، وتطوير أساليب التعليم، وتسريع التنمية وتصميم المدن الذكية، وأمن الطاقة والغذاء والمياه، والتوسع الحضري والحكومات الرقمية، والكفاءة الحكومية، والحوكمة والشفافية وخلق الوظائف ومواجهة الأوبئة والكوارث الطبيعية، وغيرها.

إلى ذلك اختار رئيس أكبر دولة عربية (مصر) ليكون ضيف شرف القمة وضيف جلسة حوارية خاصة للرد على كل ما يثار حول استراتيجيات حكومته، واختار رئيس أكبر ديمقراطية مسلمة من حيث عدد السكان (إندونيسيا) ليكون متحدثاً عن تجربة بلاده في التعامل مع أكبر تحد وبائي واجه العالم في الأعوام الثلاثة الماضية، واختار رئيس دولة لاتينية ناجحة على صعيد التنمية (باراغواي) للتحدث عن تجربة حكومته في مواجهة تداعيات الجائحة والتغير المناخي واضطرابات سلاسل الإمدادات الغذائية. كما اختار إليون ماسك، شاغل الناس بصرعاته ومغامراته وتصوراته وهيامه بالذكاء الاصطناعي ليكون ضيف حوار شامل حول ما يخطط له ويتوقع حدوثه مستقبلاً.

وتجلت قدرة دبي في الإبهار وحسن الاختيار بما وفرته على هامش القمة من فعاليات وعروض ومنصات حملت رسائل إنسانية (كمشروع «ميرا» للشيخة فاطمة بنت محمد بن زايد لمساعدة نساء ومزارعي أفغانستان) أو رسائل تشجيع ودعم لأصحاب المشاريع الصغيرة (كمشروع الشيف الإماراتية الصغيرة عائشة العبيدلي ذات الـ14 ربيعاً)، أو رسائل وفاء وتذكير بالماضي (كحفل استعادة ذكرى زيارة السيدة أم كلثوم لأبوظبي عشية استقلال الدولة بدعوة من القائد المؤسس الشيخ زايد طيب الله ثراه)، أو رسائل تحفيز وتنويه وتقدير (كاستعراض أبرز التجارب الحكومية الخلاقة من مختلف دول العالم من بين 1084 مشاركة من 94 دولة).

ومما لا شك فيه أن حكومة دبي، راكمت على مدى الأعوام الماضية تجربة فريدة في استقبال مثل هذا الحشد الهائل من المشاركين، وتنظيم وإدارة هذا الكم الكبير من الندوات والجلسات المتنوعة، معطوفة على قدرة استثنائية لجهة إنجاح القمة والسير بها نحو أهدافها النبيلة التي لا تتضمن ــ بطبيعة الحال ــ حل مشكلات العالم، وإنما توفير المناخ الصحي لتلاقح الأفكار وتبادل التجارب والخبرات واستشراف الحلول لمستقبل أفضل وحياة أكثر أمناً وسلاماً وازدهاراً لسكان المعمورة. فأزمتنا ــ كما لخصها ذات يوم صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد ــ ليست أزمة موارد بقدر ما هي أزمة إدارة، والشق الأخير يكمن علاجه في التعاون وتبادل الخبرات واكتساب المعارف العصرية.

ومما لا شك فيه أيضاً أن أحد أسباب نجاح هذه المنصة العالمية المحفزة واستمرارها وتطورها عاماً بعد عام، يعزى إلى ما حققته دولة الإمارات بصفة عامة ودبي بصفة خاصة من إنجازات مدهشة ليس على صعيد تطوير البنى التحتية فحسب، وإنما أيضاً على صعيد التعليم والتدريب والابتكار والإدارة وتمكين المرأة والاهتمام بالطاقات الشبابية الخلاقة، وغير ذلك من مظاهر تنحني لها الجباه فخراً واعتزازاً.

إن قصص النجاح في منطقة الخليج العربي تتوالى، وباتت تشكل بوصلة للأمم الأخرى التي تطمح للخروج من كبواتها وفشلها. وإذا كانت دبي تمثل بحد ذاتها تجربة نجاح وإلهام فريدة ومتميزة في العالم العربي، فإن نجاحها في تنظيم إكسبو 2020، ونجاح قطر في تنظيم مونديال 2022، ونجاح البحرين في تنظيم سباقات بطولة العالم للفورمولا 1 منذ عام 2004، ونجاح السعودية في تنظيم رالي داكار، هي سلسلة متتالية من النجاحات الخليجية تكللت هذا الشهر بنجاح دبي في تنظيم أضخم نسخة من القمة العالمية للحكومات.

Email