انهيار «مجموعة أداني» الهندية وآثاره الاقتصادية والسياسية

ت + ت - الحجم الطبيعي

تتضخم ثروات بعض رجال الأعمال إلى أرقام فلكية، فتؤدي أدنى هزة فيها إلى أخطار على اقتصاد وسمعة وطن بأكمله وما حدث أخيراً في الهند، ربما يصلح مثالاً لذلك.

ففي أواخر شهر يناير الماضي تناقلت وكالات الأنباء خبراً عن انهيار القيمة السوقية لأسهم «مجموعة أداني» الهندية بنحو مئة مليار دولار. والمجموعة المذكورة يملكها المليادير الهندي غوتام أداني وهي تكتل من ست شركات كبرى تعمل في قطاعات تتراوح ما بين الطاقة والنقل والتأمين وتطوير البنية التحتية وتشغيل أكبر موانئ ومطارات البلاد.

ومذاك راح المراقبون والصحافة المحلية والعالمية المعنية بالشؤون الاقتصادية تتحدث عن آثار الحدث، ليس في اقتصاد الهند وموقعه ضمن اقتصادات العالم الكبرى فحسب، وإنما أيضاً في المستقبل السياسي للحزب «بهاراتيا جاناتا» الحاكم في نيودلهي وحظوظ رئيس الوزراء «ناريندرا مودي» في الانتخابات العامة القادمة سنة 1924، وخصوصاً أن غوتام أداني يعد من أقرب الأثرياء الهنود إلى مودي كونهما ينحدران من ولاية واحدة (غوجارات الغربية)، ناهيك عن أن الرجلين يتعاونان ضمن استراتيجيتين متوازيتين هدفهما تطوير الاقتصاد الهندي البالغة قيمته نحو 3.2 تريليونات دولار.

بدأت حكاية انهيار المجموعة في سوق الأسهم منذ أن نشرت شركة «هندنبرغ» (Hindenburg) للبحوث، تقريراً في 24 يناير المنصرم، تتهم فيه مجموعة أداني بالاحتيال واللجوء إلى تعاملات مالية غير معلنة والتلاعب في الإيرادات للمحافظة على مظهرها وصحة وضع وحداتها التجارية المدرجة في البورصة. وعلى الرغم من قيام المجموعة بنفي تلك المزاعم، واصفة إياها بـ«مزيج خبيث من المعلومات المضللة الانتقائية والادعاءات التي لا أساس لها من الصحة والتي تم اختبارها ورفضها من قبل المحاكم العليا في الهند»، إلا أنها سارعت إلى سحب خططها لبيع أسهم بقيمة 2.5 مليار دولار.

إلى جانب ما سبق، تسببت هذه الأخبار في انخفاض المؤشر المصرفي الرئيس للبورصة الوطنية الهندية بنسبة 6.3%، وتأثر معنويات المستثمرين وحدوث ذعر في أوساطهم، وخروج غوتام أداني من قائمة أغنى 10 أشخاص في العالم، وفقاً لمؤشر «بلومبرغ» للمليارديرات، بعد خسارته نحو 24 مليار دولار في تعاملات البورصة، علاوة على توقف عدد من المصارف العالمية السويسرية والأمريكية عن قبول سندات أداني ضماناً للقروض، أو مطالبتها بزيادة الأسهم ضماناً.

ومما لا شك فيه فإن الحدث كان بمقام خبر غير سار للزعيم الهندي القوي مودي، الذي كان يسعى إلى أن تتصدر أخبار ميزانيته السنوية الجديدة عناوين الصحف بما تتضمنه من أرقام وخطط عن خفض الديون ودعم الطبقة المتوسطة وتمكين المرأة، وتقليص عجز الميزانية البالغ 9.2% من الناتج المحلي الإجمالي، وتسريع الترقيات الهيكلية، والإبقاء على زخم معدل النمو الحالي البالغ 7%، وذلك بغية استخدامها ورقة تضمن له التجديد والبقاء في السلطة. غير أن أخبار الهزة التي تعرضت لها مجموعة أداني طغت على بقية الأخبار.

ومن ناحية أخرى كان الحدث غير سار للهند بلداً وأمة، كونه وقع في وقت كانت فيه صحف العالم تتحدث عن تفوق الهند على جارتها الصين في عدة مجالات حيوية مثل: نمو الناتج المحلي الإجمالي في الهند بشكل أسرع من مثيله في الصين، وإنتاج الهند شركات تقنية ناشئة أكثر من الصين، واتجاه مقاييس القوى العاملة لجهة الأداء والكفاءة ومتطلبات الوظيفة وطبيعتها وترقياتها لمصلحة الهند. وفي هذا السياق كتب المحلل الهندي «أوديت سيكاند» ما مفاده أن الاتهامات الموجهة لمجموعة أداني، سواء صحت أو لم تصح، قد أحدثت ضرراً ربما سيدفع بعض المستثمرين إلى إعادة تقييم توقعاتهم عن عائداتهم من الاقتصاد الهندي والتساؤل عن حوكمة الشركات في الهند.

أما ردة فعل الحكومة الهندية على ما حدث فقد ورد في تصريح لوزير التكنولوجيا والسكك الحديدية «أشويني فايشناو» لتلفزيون «بلومبيرغ» أكد فيه أن اقتصاد بلاده سيصمد أمام الهزة، وأن تأثيرها في أسواق الأسهم سيكون قصيراً ومحدوداً، مضيفاً إن «الهند لديها مجموعة واسعة جداً من شركات البنية التحتية.. ومهما كانت الهزة التي تشهدها سوق الأسهم، فإنَّها لن تؤثر في الاقتصاد الكلي»، ومفنداً المبالغات التي راحت بعيداً إلى حد مقارنة تأثير ما حدث لمجموعة أداني في الهند بالهزة الاقتصادية الآسيوية في 1997/‏1998. وفي رأي بعض المراقبين فإنه لو أردنا مقارنة ما حدث أخيراً في الهند بأي حدث آخر شبيه، فلن نجد أفضل (مع الفارق) من الهزة التي تعرض لها قطاع العقارات في الصين والتي كان تأثيرها قصيراً ومحدوداً في اقتصاد البلاد ونظامها المالي والمصرفي، رغم المخاوف التي برزت وقتها من احتمال حدوث انهيار كلي لقطاع العقارات وإلحاق ضرر فادح بالاقتصادين المحلي والعالمي.

 

* أستاذ العلاقات الدولية، المتخصص في الشأن الآسيوي

Email