أسرع تطبيق في العالم

ت + ت - الحجم الطبيعي

‏حاولت أن اكتب قصة قصيرة باللغة العربية عبر تطبيق جديد يعمل بالذكاء الاصطناعي، فكانت النتيجة مذهلة. فكل ما فعلته لهذا البرنامج (ChatGPT) الصاعد أن طلبت منه كتابة قصة باللغة العربية، وسميت له البطل، وذكرت فحوى موضوعها باختصار شديد. ابتعدت عن لوحة المفاتيح أتأمل الشاشة، وإذا بها تكتب لي قصة جميلة لم أكن لأشك في أنها من نسج خيال الحاسوب لولا أن رأيت ذلك بنفسي.

التجربة صادمة بجميع المقاييس وهو على ما يبدو ما دفع صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، خلال اجتماع مجلس الوزراء أول من أمس إلى اعتماده «تكليف الجهات المختصة في الدولة، رفع دراسة عاجلة لمجلس الوزراء عن الطريقة المثلى للاستفادة من تقنيات الذكاء الاصطناعي الجديدة مثل ChatGPT في العمل الحكومي..

وتأثيراته المستقبلية في القطاعات التعليمية والصحية والإعلامية وغيرها، وكيفية التعامل الحكومي الإيجابي والآمن مع هذه التقنيات»، بحسب ما أوردته «البيان».

الأمر يتطلب بالفعل تحركاً عاجلاً، ليس محلياً، بل على صعيد العالم لمعرفة كيف يمكن أن نستفيد من برنامج «تشات جي بي تي» الذي قفز بنا قفزة هائلة نحو المستقبل باعتباره أسرع تطبيق نمواً في التاريخ الحديث، وفق وكالة «رويترز»، حيث ناهز عدد المستخدمين النشطين 100 مليون مستخدم شهرياً. وهذا الرقم صادم لتطبيق حديث، لاسيما وأن تطبيق «تيك توك» TikTok قد استغرق حوالي تسعة أشهر ليبلغ ذلك العدد من المستخدمين النشطين، أما «إنستغرام»، فكانت مهمته أصعب، إذ استغرقت جهوده بين عام وعامين لينعم بمئة مليون مستخدم نشط شهرياً، بحسب التقرير المنشور!

باختصار صار ChatGPT منافساً لطيفاً لموقع غوغل، حيث إنه مبني على فكرة التحاور مع الشاشة نصياً، فتقول له مثلاً: أكتب لي لائحة داخلية للحضور والإنصراف، أو أريد مقالاً عن فوائد الفراولة، أو مخاطر التدخين، فيبدأ بالكتابة عبر تجميع إلكتروني عجيب في الشبكة العنكبوتية.

قلما تتكرر حرفية إجاباته إذا ما سأله مستخدم آخر السؤال نفسه، الأمر الذي رفع مخاوف دوريات محكمة من أن يستخدمه الباحثون لكتابة أبحاثهم، ويروى أن بعضها كتب بصراحة لن يُقبل برنامج ChatGPT كباحث مساعد! ولا أعرف كيف يمكنهم أن يعرفوا ذلك إذا كان هذا البرنامج يغير من أساليب الصياغة، بطريقة أزعجت معلمين في مدارس غربية عديدة، كما ذكرت وسائل الإعلام.

وهو ما يذكرنا بخطورة الآلات عندما تفكر عن الإنسان، حيث اضطر باحثون قبل شهور إلى إيقاف برنامج عندما اكتشفوا أن حاسوبين أو برنامجين قد بدآ يفكران ويتخذان قرارات خشي القائمون عليهما من أن يضروا بها أحداً!

الذكاء الاصطناعي، في جوهره، يعتمد على أطنان المعلومات التي نغذيه بها، فإذا ما زادت المليارات التي تستخدمه، سيكون أذكى وأعظم لأن هؤلاء يشكلون ذاكرته أو قدراته، الأمر الذي يدفع الشركات إلى جعل الخدمة متاحة للعامة لتقوية النظام ومن ثمة تقديم خدمات رائعة لم تكن بالحسبان.

قرأت قبل فترة في إعلان للتوظيف لدينا في الكويت، حيث حثت الحكومة الكويتية المواطنين على التخصص في الذكاء الاصطناعي، والأمن السيبراني، وتكنولوجيا المعلومات.

وهي بالفعل صارت تخصصات جوهرية، لأن الذكاء الاصطناعي، سيدخل في كل شيء من حولنا، مثل السيارة، والطائرة، والمطار، والمصنع، والإدارة، والتسويق، والمبيعات، والهندسة، والجيولوجيا والفضاء والجيش والشرطة وغيرها. فلا بد أن نؤسس لقاعدة هائلة من الكوادر البشرية، حتى تكون أرضية صلبة لإقامة مؤسسات ذكية، تأخذنا في وثبات كبرى نحو مستقبل مدهش.

وقبل ذلك لا بد من أن نهيئ مؤسسات القطاعين العام والخاص في الوطن العربي، لتكون لديها البنية التحتية والفنية للاستفادة من الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا الحديثة، التي ستحقق في السنوات الخمس المقبلة ما لم تحققه في عقود.

* كاتب كويتي متخصص في الإدارة

Email