الأخطاء البشرية وتوقعاتنا

ت + ت - الحجم الطبيعي

يمكن أن تهدد الأخطاء البشرية بسقوط طائرة، أو غرق سفينة، أو اشتعال ألسنة النيران في أحد المباني، لكن أن يتسبب خطأ بشري بسقوط كبسولة شديدة الإشعاع لا يتجاوز حجمها 8 ملم في 6 ملم فهذا ما لا يتصوره أحد.

وهو بالفعل ما حدث عندما أعلنت شركة تعدين أسترالية اعتذارها عن فقدان كبسولة صغيرة بالغة الخطورة على حياة الناس. إذ تحتوي «على مادة السيزيوم 137، التي يشيع استخدامها في مقاييس الإشعاع، وتنبعث منها كميات خطيرة من الإشعاع، ما يعادل الإشعاع الناجم عن 10 أجهزة أشعة سينية في ساعة واحدة.

ويمكن أن يسبب حروقاً في الجلد والتعرض المطول لها يمكن أن يسبب السرطان.» بحسب صحيفة البيان.

هذه الكبسولة التي يبدو أنها سقطت بسبب خطأ بشري، يرى البعض أنها قد تكون عالقة في إطارات إحدى السيارات التي كانت تسير خلف الشاحنة وهي تنقل مواد مشعة من منجم صحراوي في وقت سابق من الشهر الجاري. ودعت أجهزة الطوارئ والحكومة الفيدرالية الأسترالية المواطنين والمقيمين إلى توخي الحذر من تلك الكبسولة التي لا تتجاوز حجم إصبع اليد.

الرئيس التنفيذي لشركة التعدين الشهيرة «ريو تينتو أيرون أور»، سيمون تروت واجه الموقف بشجاعة، ولم يدس رأسه في الرمال كما يفعل بعض القياديين في الأزمات. فهناك من يظهر لعدسات الكاميرات في أوقات النجاحات، ويتناسى دوره المحوري كربان السفينة في الأزمات.

ولذلك كان أول اختبار للقيادي في أزمات كهذه مرتبطاً بكيفية مواجهته للأحداث الكبرى. فهناك من يتعمد اللف والدوران، لكنه في الواقع يدفع الجميع في عصر الانفتاح الإعلامي إلى التنقيب عن الحقيقة في صفحات الإنترنت.

وقد حدث خطأ بشري آخر، عندما نسي أحد رؤساء الولايات المتحدة ملفاً صنف على أنه سري للغاية classified حيث تركه خلفه في أحد المقاهي أو المطاعم، ثم عاد فريقه بأقصى سرعة للبحث عنه قبل أن يحدث ما لا يحمد عقباه.

وقد ارتكب قبطان سفينة التايتانك الشهيرة خطأ فادحاً ببعده عن قمرة القيادة (الملاحة) فلم يكن بوسعه تدارك الجبل الجليدي العملاق الذي اصطدمت به فأودى ذلك إلى مقتل مئات الأشخاص في أشهر حادثة مأساوية في عشرينات القرن الماضي.

وقبل أيام كنت أقرأ في الموقع الرسمي لهيئة الفتوى والتشريع (محامو الدولة) في إحدى الدول العربية عن رفضها ترقية عشرات المستشارين لتقاعسهم عن أداء مهامهم على أكمل وجه، إذ خسرت تلك الدولة أموالاً طائلة بسبب ذلك التراخي الذي هو في الواقع تقاعس وشكل من أشكال الخطأ الذي يضيع مصالح المؤسسات. ولو كانت هناك رقابة صارمة لما حدث ذلك.

عندما تُكتَب اللوائح الإدارية في المؤسسات يؤخذ بعين الاعتبار احتمالية وقوع خطأ ما. غير أن المشكلة ليست في الخطأ بل في طريقة التعامل مع الأخطاء أو الأزمات ولهذا يدون دليل التعامل مع الأزمات لتوحيد آلية العمل حتى لا تكون ردود الأفعال مرتبطة بأفراد وهمتهم أو مزاجهم.

وأحياناً كثيرة يكون منشأ الخطأ بيئة العمل التي لا تعاقب أحداً. فيتمرد العاملون وتكثر الأخطاء.

‏وعلى الجانب الآخر نلاحظ أن مشكلة بعض المسؤولين أن كلمة خطأ ليست موجودة في قاموسهم. ولذا تثور ثائرته فور ما يتناهى إلى سمعه خطأ ارتكبه أحد مرؤوسيه. فهو يعيش في صراع بين سقف توقعاته المبالغ فيه مقارنة بالواقع. وربما كان هو أو مؤسسته سبباً في عدم منح الموظف التدريب الكافي الذي يعينه على تقليل الأخطاء البشرية إلى أدنى حد ممكن. ولذلك جاءت شهادات الجودة كمحاولة لرفع الجودة بتقليل الأخطاء البشرية وتوحيد المخرجات.

‏من حق البعض أن يضيق ذرعاً من الأخطاء. غير أن واقع الحال يشير إلى أن الإنسان خطاء بطبعه. وكان أول خطأ ارتكبه سيدنا آدم بأكله تلك التفاحة التي مازلنا ندفع ثمنها إلى يومنا هذا!

* كاتب كويتي متخصص في الإدارة

Email