بالنسبة للشرق الأوسط المثقل بالهموم والأحداث، لم يكن عام 2022 استثنائياً لما سبقه من سنين، لكن أهم حدث هو إعادة الشرق الأوسط لقلب الأحداث الدولية. فبعد حرب أوكرانيا، تصدرت المنطقة الاهتمام بصفتها أهم مصدّر للطاقة في العالم. ورغم ما أشيع عن رحيل الولايات المتحدة عن الشرق الأوسط، إلا أن الرئيس الأمريكي عاد إلى المنطقة، لا ليبكي أطلال النفوذ الأمريكي، بل لبث الدماء الجديدة في شريان العلاقات العربية والخليجية- الأمريكية.

لكن المعضلة العصية على الحل هي الصراع العربي- الإسرائيلي، خصوصاً الشق الفلسطيني. فهذا الصراع الذي دام لقرن ونيف، لا يزال يراوح مكانه، بل تعقّد أكثر، ورغم الاتفاقات الإبراهيمية بين بعض الدول العربية وإسرائيل ودعوات السلام، إلا أن السلام حالياً بعيد المنال.

ولا يبدو أن هناك أملاً كبيراً في إيجاد مخرج للمواجهة بين إيران والدول الغربية حول البرنامج النووي، ويبدو أنه ليس هناك حل قريب في الأفق بسبب انشغال الولايات المتحدة بالملف الأوكراني، وانشغال إيران بوضعها الداخلي.

والحرب في اليمن رغم أن وقف إطلاق النار مستمر على وتيرة أخف، إلا أن ميليشيا الحوثي مستمرة في حربها ضد الدولة اليمنية بجيشها ومؤسساتها ومجتمعها، ولم تتعامل مع دعوات السلام بجدية، كما أن النظام الحوثي أصبح نظاماً شمولياً يمذهب النشء على عقائد جديدة ليست لها علاقة بواقع أو تاريخ اليمن، ويتزايد التعقيد بتدويل القضية اليمنية والتداخلات الإقليمية مع هذه القضية.

وحالة لبنان هي كما حالة اليمن، والتي يتداخل فيها الدولي والإقليمي مع المصالح الفئوية الداخلية. ولم يستطع اللبنانيون إلى يومنا هذا انتخاب رئيس للجمهورية بسبب تضارب المصالح السياسية بين الفرقاء والتوجيهات التي تأتي من خارج الحدود. وحالة سوريا تشير إلى التعافي النسبي، ولكن ما زالت البلاد تعاني من التدخلات الإقليمية والدولية عوضاً عن سيطرة الميليشيات على أجزاء من البلاد.

وفي هذا العام (2022)، عاد العراقيون إلى التوافق على رئيس وزراء، محمد شياع السوداني، وعلى ما يبدو أن العراقيين في سبيلهم لتحقيق الوفاق رغم العثرات التي أمامهم، وإذا ما دخلت المنطقة إلى حرب بسبب النووي الإيراني، فإن الأمل باستمرار المصالحة الوطنية سيتبدد.

وفي العام الماضي بايعت الإمارات، رسمياً وشعبياً صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، رئيساً وقائداً لمسيرتها، وحمل سموه الراية لمواصلة مسيرة العزة والتنمية والبناء المجيدة، وبدأت الدولة عهداً جديداً ومرحلة تاريخية جديدة، وذلك بعد أن فقدت الإمارات ابنها البار المغفور له الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رحمه الله، وهو من الرجال المؤسسين للدولة، والذي دشن مرحلة التمكين التي أرسى دعائمها الآباء المؤسسون قبل أكثر من نصف قرن.

ولكن مسك الختام لعام 2022 كان في الدوحة، والتي شهدت أفضل مونديال في تاريخ الفيفا. تبارت الفرق الوطنية من كل أصقاع العالم من مختلف المناطق الجغرافية والأديان والأعراق في عرس رياضي مع مشجعي كرة القدم من جميع الملل والنحل، تجمعهم الأخوة الإنسانية وحب الساحرة المستديرة. ورغم الإنجازات العربية القليلة، إلا أن الفرق العربية أبلت بلاء حسناً في كأس العالم، تفوقت السعودية على الأرجنتين، والتي توجت بالكأس في المباراة النهائية، وهزمت تونس الفريق الفرنسي، والذي أصبح الوصيف في نهاية الكأس، أما المغرب فقد أقصى فرقاً كبيرة مثل إسبانيا والبرتغال ووصل إلى المربع الذهبي كأول فريق أفريقي وعربي يقطع هذا الشوط الكبير، واستحق المغرب إعجاب محبي الكرة في جميع أنحاء العالم، والأهم أن الفريق المغربي كان النقطة المضيئة في الواقع العربي الراهن.

عام مضى وعام جديد أقبل يحمل في بطنه الكثير من الاستحقاقات، نرجو من الله العلي القدير أن يكون عام سلام وأمن للإقليم وللعالم. وكما التأم العالم في مونديال قطر يمكن أن يلتئم العالم في أروقة السياسة ويحقق الاستقرار والازدهار للبشرية. وكما قال الشاعر:

والليالي من الزمان حُبالى

مثقلات يلدن كل عجيب!