سادت الفلبين مؤخراً شائعات بقرب وقوع انقلاب عسكري ضد حكومة الرئيس بونغ بونغ ماركوس الذي وصل إلى السلطة في انتخابات 2022 الرئاسية، فما هي أسباب هذه الشائعات؟ وما مدى جديتها؟
بداية فإن تحرك الجيش ضد السلطة المدنية المنتخبة ليس بالأمر الجديد في الفلبين. فوالد الرئيس الحالي (فرديناند ماركوس) زرع بذور الانقلابات العسكرية بتحوله من رئيس منتخب في عام 1965 إلى ديكتاتور يحكم بالأحكام العرفية. وخلال فترة حكمه من 1972 إلى 1986 تعرض لمحاولة انقلاب فاشلة سنة 1976 قادتها جماعة «لابيانغ مالايا» شبه العسكرية المتطرفة.
وفي عهد خليفته كورازون أكينو التي امتد من 1986 إلى 1992، وقع أكثر عدد من محاولات الانقلاب الفاشلة بقيادة ضباط كبار من الجيش والشرطة أو محاولات التمرد من قبل الجنود وأعوان سلفها. فما بين يوليو 1986 وأكتوبر 1990 شهدت البلاد تسع محاولات انقلاب وتمرد بذرائع مختلفة، بل إن العقيد جريجوريو هوناسان وحده قام بمحاولتين متعاقبتين فاشلتين في عامي 1987 و1989. وحتى بعد انتهاء فترة رئاسة أكينو، لم يسلم خلفاؤها من محاولات الإطاحة بهم، فكانت هناك ثلاث محاولات تمرد أو انقلاب في الأعوام 2003 و2006 و2007 قام بها جنود متذمرون.
بالعودة إلى قضية الشائعات، نجد أن مردها يكمن في قلق الرئيس الحالي من انفلات الأمور من بين يديه، بدليل قراراته وإقدامه على تعيينات وتنقلات مفاجئة في صفوف قيادات الجيش والشرطة ووزراء الحكومة ورؤساء الأجهزة العامة، وهو ما أثار مخاوف واسعة من احتمالات أن يقدم المتضررون على الرد بالتآمر للإطاحة به، وبالتالي دخول الفلبين مجدداً في الفوضى وعدم الاستقرار.
في التفاصيل، بدأ الرئيس بونغ بونغ ماركوس العام الجديد بتغييرات واسعة ومفاجئة في الجيش، من أهمها إعادة تعيين الجنرال المتقاعد أندريس سينتينو رئيساً لأركان الجيش، بدلاً من الجنرال بارتولومي باكارو الذي كان قد تمت ترقيته بسرعة ليحل مكان سينتينو العام الماضي. ردة الفعل الأولى على هذا القرار تمثلت في استقالة الجنرال خوزيه فوستينو من مسؤولياته في وزارة الدفاع احتجاجاً بقوله إنه لا يقبل بتشويه أو إهانة أو تسييس الجيش.
اتخذ المراقبون من ذلك مؤشراً للقول بوجود انقسامات داخلية في مؤسسة الجيش، خصوصاً بعد توجيه سينتينو كلمة إلى ضباطه دعاهم فيها لنبذ الفرقة والانقسام، الأمر الذي فجر شائعات الانقلاب العسكري. أما ما عزز الشائعات فهو وقوع هزة في أجهزة الشرطة بالتزامن تمثلت في دعوة وزير الداخلية بنيامين أبالوس لنحو ألف من جنرالاته وضباطه لتقديم استقالالتهم بسبب انتشار الفساد في أجهزة الشرطة، مشيراً بذلك إلى تورط محتمل لهؤلاء في أنشطة متعلقة بالمخدرات.
والحقيقة أن الانقسامات ليست مقتصرة على مؤسستي الجيش والشرطة فحسب وإنما تعاني منها أيضاً إدارة وحكومة الرئيس الحالي نفسها. ففي الأشهر الستة الأولى من توليه سلطاته وتشكيله لحكومته الأولى ترك العديد من أعضاء مجلس الوزراء مناصبهم، بمن فيهم صديقه المقرب وذراعه الأيمن المحامي فيكتور رودريغيز الذي شغل منصب الوزير التنفيذي الأول من يونيو إلى سبتمبر 2022، والذي يعتقد أنه شارك في إحداث خلخلة في إدارة رئيسه في الأشهر الأخيرة من العام الماضي، بعد أن رفض ماركوس منحه المزيد من الصلاحيات بناء على نصيحة كبير مستشاريه القانونيين خوان بونسيه أنريلي.
في وسط هذه الأجواء القلقة، حدث ما صب الزيت على نار الشائعات، بإغلاق مطار مانيلا الدولي. وبطبيعة الحال، فإن إغلاق مرفق حيوي كالمطار دون مبرر جعل الفلبينيين، يعتقدون بوجود تحرك عسكري للإطاحة برئيسهم المنتخب. والأدهى من ذلك أن هذا الحدث تزامن مع صدور مذكرة من الشرطة الوطنية حول إعلان التأهب الكامل لكافة منتسبي الأمن لمواجهة أي اضطرابات محتملة في معسكر أغوينالدو العسكري، قبل أن يعلن المتحدث الرسمي باسم الشرطة أن حالة التأهب لم تكن بسبب قلق من حدوث انقلاب أو تمرد، وإنما لتأمين تجمع ديني سنوي في العاصمة يشارك فيه عادة نحو مليوني مصل.
جملة القول: إن إعادة تعيين سينتينو رئيساً لأركان الجيش تثير القلق والعديد من الأسئلة مثل هل كانت إعادته تصحيحاً لخطأ قام به ذراع الرئيس الأيمن المستقيل فيكتور رود ريغيز حينما أقصى سينتينو ليأتي بصديقه الجنرال «بارتولومي باكارو»؟، وهل سيتعاون رودريغير مع باكارو فيستخدمان نفوذهما ويستغلان الوضع للإطاحة بالرئيس ماركوس؟
*أستاذ العلاقات الدولية المتخصص في الشأن الآسيوي