البناء على مكاسب «كأس الخليج العربي»

انتهت بطولة كأس الخليج العربي الخامسة والعشرين التي استضافتها محافظة البصرة العراقية، وذلك بعد المباراة النهائية التي توج فيها المنتخب العراقي الذي استحقها تنظيماً ولعباً وحتى بالجماهير، وصار الحديث الدارج على الألسن: ما أجمل البطولة الخليجية في البصرة، بعدما استشعر الخليجيون دفء العلاقة مع الأشقاء العراقيين.

لكن المقابل، وحسب بيان لوزارة الخارجية العراقية يوم الاثنين الماضي فقد بدأت مرحلة جديدة في العلاقة العربية-العراقية الذي جاء في ختام ندوة نظمها معهد الخدمة الخارجية في الوزارة تحت عنوان: «السياسة الخارجية والدبلوماسية الرياضية، الرياضة رسالة سلام ومودة بين الشعوب»، وكأنه بذلك يؤكد العراقيون بما بدأوه في بداية البطولة أن عمقهم الاستراتيجي عربي وهذا لا يغضب أحداً أو هكذا ينبغي أن تحسب الأمور بشكلها الطبيعي.

البطولة الخليجية لها مكانتها لدى أبناء المنطقة وهي كما يعلم المتابع لها أن فيها حساباتها مختلفة، وقد تسفر نتائجها، عن انتصارات لا تتبع المقاييس المعتادة، وفقاً لتصنيفات «فيفا».

اللافت والأكثر ملاحظة لدى الجميع تلك الحالة العاطفية التي اشترك فيها الخليجي بالعراقي في مشهد أبسط ما يمكن وصفه اشتياق الشقيق العراقي لشقيقه العربي ، كذلك اشتياق العرب لأشقائهم العراقيين بدليل أن الشعوب العربية تفاعلت مع العراقيين الذين رحبوا بأشقائهم.

استضافة العراق للبطولة فتحت الباب لتقارب عربي جديد تأخر لظروف غير اعتيادية، وهذه الاستضافة جاءت في الوقت المناسب بعدما بدأت العافية السياسية العربية تعود شيئاً فشيئاً.

المهم أن تأتي ولو متأخراً أفضل من ألا تأتي أبداً، هكذا يبدو الحديث الصامت بين العراقي والخليجي وإن أوضحه بيان وزارة الخارجية العراقية. وإذا كان العرب والعالم معهم قد رأوا فوائد عودة العراق إلى الحضن العربي، فإن الحفاوة التي وجدوها من أهل العراق أكدت لنا جميعاً مجموعة من الرسائل أهمها أنه ما زالت العاطفة العربية هي المحرك الوطني لهم وما يتم تداوله إعلامياً ليست هي الحقيقة وإنما نحن في زمن الإعلام المزيف وأن البطولة كانت مناسبة لكشف حقيقة رابط العروبة القوي.

ومن تلك الرسائل كذلك أن العراق لا ينقصه لا الأمن ولا المال ولا الإنسان ، وبالتالي ما يحتاجه العراق وشعبه من أشقائه أن يكون ضمن أولوياته وهذا بالنسبة لي من حقوق الأشقاء على بعضهم البعض.

ما بين احتجاجات أكتوبر عام 2019 وبطولة كأس الخليج العربي ثبت أن هناك متغيراً مهماً في الساحة العراقية ينبغي رصده ومتابعته وهو وجود رغبة جامحة لدى هذا الشعب عزيز النفس في استعادة عافيته واستقراره أولاً بعيداً عن كل تلك التفاصيل التأزيمية التي يحاول المستفيد أن يرسخها لتمزيقه وإضعافه، مع أن قوة العراق الإنسانية وحضارته التاريخية مبنية على هذا التنوع الفسيفسائي الجميل فهو ليس بلداً هامشياً كي يتلاعب به أحد.

أما البطولة الخليجية العربية أتت وأكملت ذلك المتغير بالإعلان عن بدء مرحلة جديدة من العلاقات العربية، عنوانها عودة العراق إلى وضعه ومكانته الطبيعية.

العرب يريدون أن يستفيدوا مما حققته البطولة الخليجية من مكاسب واستحقاقات حدثت في أقل من شهر للبناء عليها، خاصة أن هذا النجاح جسد القناعة أن الطرفين الخليجي والعراقي مصلحتهما ومصيرهما واحد.

فهل يتم البناء على المكاسب التي حققتها بطولة كأس الخليج العربي؟

 

* كاتب ومحلل سياسي

الأكثر مشاركة