عشرون لوحة بريشة عبدالغفار حسين

ت + ت - الحجم الطبيعي

كانت الترددات عالية وإيجابية مساء الإثنين في قاعة ندوة الثقافة والعلوم، دلالة التّواد والانشراح النفسي وابتهاج الواحد بالآخر؛ فالمُحتفى به كان كتاباً عن شاعر العرب الأكبر أبي الطيب المتنبي (القرن الرابع الهجري - العاشر الميلادي) لكاتبه الأستاذ الفاضل عبدالغفار حسين - أبي نبيل - أدام الله عليه العافية والعمر المديد كي ننعم بالمزيد من حكمته وعطاءاته المعرفية والأدبية. ينتمي أبو نبيل إلى فصيل أفراده من نسيج خاص، دأبوا على منح الآخرين حولهم معنى أن يكونوا عصاميين، سواء كان ذلك لجهة الاشتغال الثقافي على الذات وتطوير إمكاناتها وقدراتها في مجالات الكتابة وانتقائية المحتوى القرائيّ أو كان في مقارعة تحديات الحياة على تفاوت طبيعتها وقوتها، وتسجيل نجاح باهر في ذلك كله على طريق النجومية. وأراني لست الوحيد في ذهابي إلى هذا المعنى، إذا ما استعرت جملة كتبها الصديق المشترك الأديب الدكتور محمد غباش: «ينتمي عبدالغفار حسين إلى نوع يتناقص عدده من الكتّاب متعددي الاهتمامات الذين يسعون باستمرار لنيل معرفة جديدة».

اللافت في نشاط مساء الإثنين بندوة الثقافة والعلوم، شكل الاحتفاء بالكاتب والكتاب؛ إذ جاء بشيء من التجديد الحميد ميّزه عن بقية الأشكال الأخرى، السائدة والمملّة. وهذا يسجل لمصلحة الندوة. إن الأشكال السائدة في راهن الساحة الثقافية في الإمارات وفي غيرها من الساحات العربية، أصبحت تقليدية وبعضها بائس فلم تعد المادة الثقافية على ثرائها، تمنح حق الشفاعة لدى جمهور الحضور عن الشكل الضعيف والمكرّر الذي تُقدَم به، ولذلك كان العزوف وكانت الشكوى. إن الذائقة الراهنة لجمهور الأنشطة الثقافية والفنية على تنوعها في الإمارات وغيرها من البلدان، قد تطورت وأصبحت أكثر انتقائية ومعاييرها أصعب. ومعلوم أن ما يقرر الحضور من عدمه لهذا النشاط أو ذاك، هو ذائقة الإنسان الغنية والنوعية، بصفتها خزيناً في الذاكرة لمجموعة معايير يستدعيها صاحبها تلقائياً، لتهديه إلى المنفعة أين تكمن في ما يرى وفي ما يسمع؟

لم تكن الأمسية، بهذا المعنى، مجرد توقيع الكاتب كتابه (عشرون لوحة من رسم أبي الطيب) وإهدائه للحضور، بل تعدّت ذلك إلى أبعد لتكون ندوة معرفية أدبية انتدى فيها عدد من الفرسان من محبي الشاعر أبي الطيب، ممن لهم باع طويلة في الفكر والأدب والنقد تحليلاً وتعليقاً وبسطاً للآراء، حرصوا فيها جميعاً على تلبية الكثير من تساؤلات الحضور.

بحكم متابعتي أبا نبيل عبر أكثر من وسيلة، ومن بينها الزيارات - على تباعدها - لاحظت أنه في السنوات القليلة الماضية أصبح أكثر نشاطاً وتركيزاً في مجال جمع كل ما كتبه في الصحف والمجلات، وتصنيفه وإعداده للطباعة والنشر. وهذه خطوة مباركة ستجعلنا على موعد مع شتى أنواع المعرفة، والأدب منها على وجه الخصوص، مقدماً بذلك نموذجاً ساطعاً لأولئك الذين ركنوا أنفسهم في (منطقة الراحة) لا يودون مغادرتها، ومن ثمَ، يحدثونك عن صعود الجبال ومراودة القمم!

Email