هل اقتربت المصالحة السورية التركية؟

ت + ت - الحجم الطبيعي

هل تعود العلاقات بين سوريا وتركيا إلى ما كانت عليه قبل مارس 2011؟!

لم يعد هذا السؤال ضرباً من الخيال، بل صار احتمالاً وارداً بنسبة كبيرة، فما يحدث في المنطقة العربية، بل والعالم أجمع يقدم لنا درساً مهماً جداً، وهو أن السياسة ليست ثابتة بل متغيرة دوماً، وما تعتقد أنه مستحيل يتحول إلى واقع معاش وملموس.

قبل أيام قليلة اجتمع وزراء دفاع سوريا وتركيا وروسيا في موسكو، وكان من أهم نتائج هذا الاجتماع، الذي تم برعاية روسية، هو تعهد تركيا بالانسحاب من كل الأراضي السورية المحتلة في الشمال، وسوف يجتمع وزراء خارجية البلدين قريباً بحضور وزير الخارجية الروسي لاستكمال المشاورات السياسية.

نتذكر أن الاحتجاجات في سوريا بدأت في مارس 2011، وأن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أصبح بعد شهور من اندلاع هذه الأحداث، على خصومة شديدة مع الرئيس السوري بشار الأسد. ونعرف ما الذي حدث لاحقاً، وكيف أن المعارضة قويت شوكتها، بفضل الدعم الغربي والتركي.

لكن التدخل الروسي أحبط فاعليتها، وتمكن الجيش السوري بدعم روسي من توجيه ضربات كبيرة ومؤثرة للفصائل المسلحة من جهة، وتنظيم «داعش» الإرهابي من جهة أخرى. الحكومة السورية استردت عافيتها كثيراً، ولم يبق خارجاً عن سيطرتها إلا شريط حدودي في الشمال يحتله تنظيم القاعدة الإرهابي وفصائل متحالفة معه، إضافة إلى المناطق التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية شرقاً.

ومن الواضح أن الرهانات التركية لم تحقق أهدافها من دعمها اللامشروط للمعارضة. وهكذا راجع الرئيس التركي كل حساباته، ولأنه نظر إلى الأمور بواقعية، فقد غير سياساته تماماً وتقارب مع الدول العربية إلى حد كبير، والآن جاء الدور على سوريا.

أردوغان تحدث أكثر من مرة في الآونة الأخيرة، وقال إنه لا يمانع في عقد لقاء مع الأسد، والأخير قال إنه لن يفعل ذلك إلا بعد أن تنتهي الانتخابات الرئاسية التركية هذا العام، حتى لا يكون هذا اللقاء تصويتاً لصالح أردوغان في هذه المناسبة، وبالتالي عليه أن يرى نتيجة الانتخابات أولاً حتى لا يغير أردوغان سياساته الحالية إذا فاز.

تقديرات الأسد كررها كثير من المراقبين للشأن التركي، فهم يعتقدون أن الدافع الأول وراء معظم تحركات أردوغان وتغيير سياساته هي محاولة تأمين الفوز في الانتخابات الرئاسية المقبلة.

التقارب التركي مع الحكومة السورية الآن سيكون بالتأكيد في صالح أردوغان، لأنه سيتضمن أولاً استيعاب أكبر عدد من اللاجئين السوريين في تركيا، وبالتالي نزع إحدى أهم الأوراق الانتخابية من المعارضة التركية.

وثانياً ضمان تعاون الحكومة السورية في محاربة كل التنظيمات الكردية المعارضة لتركيا، خصوصاً حزب العمال الكردستاني، وأن تتخذ الحكومة السورية بعض الإجراءات المنفتحة على الإصلاحات، إضافة إلى فتح العديد من الطرق الرئيسية التي تربط الشمال السوري مع بقية البلاد.

ومن الواضح أن روسيا قد أقنعت الرئيس الأسد بأن يغير سياسته ويتواصل مع تركيا بحثاً عن تسوية قبل الانتخابات، لأن روسيا لا تريد مزيداً من الاستنزاف على الجبهة السورية، حيث يكفيها انشغالها في أوكرانيا.

كما أن تركيا تلعب دوراً مهماً في الوساطة مع أوكرانيا والغرب، ورفضت تطبيق الإجراءات العقابية ضد روسيا التي فرضتها أوروبا والولايات المتحدة بعد العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا فبراير الماضي.

السؤال: هل تنجح الوساطة الروسية، وتعود المياه إلى مجاريها مرة أخرى بين سوريا وتركيا؟

البلدان يحتاجان ذلك بشدة، كل لأسبابه الخاصة، لكن مفاجأة السياسة في المنطقة والإقليم متغيرة بصورة درامية، ولذلك علينا أن ننتظر لنرى ماذا سيحدث.

 

* رئيس تحرير صحيفة الشروق المصرية

 

 
Email