2023 هي سنة الحسم في تونس

ت + ت - الحجم الطبيعي

انقضت سنة 2022 في تونس التي كانت الأحداث فيها بطيئة إلى حدّ أدخل الشكّ في نفوس التونسيين الذين كانوا وما زالوا يأملون أن يكون الحراك التصحيحي لـ25 يوليو 2021 مناسبة للقطع النهائي مع عشرية حُكْم تحكّمت فيها بالكامل حركة النهضة الإخوانية، المسؤولة الرئيسية عن التدمير الممنهج للدولة والمجتمع.

وكان المأمول أن تكون سنة 2022 هي سنة الذهاب بعيداً في محاسبة المسؤولين عن الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية وكذلك وبالخصوص تكون سنة كشف حقائق الاغتيالات السياسية في تونس وتعرية آليات التدمير الإخوانية وتفكيكها بالكامل وبشكل يقطع الطريق أمام إعادة إنتاجها.

انتظر التونسيون اليوم الأخير من سنة 2022 ليشهدوا حدوث نقلة قد تكون نوعية في التعاطي مع الظاهرة الإخوانية وقد تمثّل خطوة فعلية في الاتجاه المأمول.

أعلنت مصلحة الشرطة العدلية في وزارة الداخلية التونسية ليلة رأس السنة الجديدة عن إيقاف قيادي إخواني بتهمة تبييض الأموال، وضمّنت البلاغ معلومات مفادها أنّ «المظنون فيه مشمول في البحث في ملفّات معروضة أمام القضاء» وتتعلّق بالجناح الإعلامي الإخواني ونسيج المنظمات الأهلية الذي يدور في فلك الحركة الإخوانية وكذا بملفّ تسفير الشباب التونسي لبؤر التوتّر.

وتكمن أهمّية هذا الحدث في أنّه سيسهم في فتْح ملفّ تمويل حركة النهضة الإخوانية وهو الملفّ الذي اعتقدت الحركة الإخوانية أنها أحكمت كلّ المداخل البحثية والقضائية الموصلة إليه.

ويُحسب للرّئيس التونسي قيس سعيّد أنّه فتح الطريق سياسياً أمام إمكانية المحاسبة رغم أنّه تردّد كثيراً في الوصول بها إلى منتهاها الطبيعي.

وأمس صرّح مسؤول من حزب «التيار الشعبي» أن حزبه «يعتبر المحاسبة هي الممرّ الإجباري والطريق الآمن لتنقية المناخ العام وإحداث استقرار سياسي لأن شبكات تبييض الأموال والفساد السياسي من (الإخوان) وغيرهم هي سبب تعفين الوضع وسبب تدمير المشهد السياسي وتخريب الأمن القومي».

ويسود الاعتقاد في تونس أنّ الانكباب على التحقيق في عمليات تمويل الحركة الإخوانية سيسهم بلا شكّ في كشف عديد الحقائق المتعلقة بما جرى منذ 2010 وإلى الآن مروراً بفترة حُكم النهضة الإخوانية التي شهدت مآسي الاغتيالات السياسية وتدمير مقومات الدولة والمجتمع ومحاولة القضاء على النموذج الحضاري المتفرّد لتونس.

سنوات قليلة كانت كافية لكشف زيف الادعاء بأنّ النهضة الإخوانية هي حاملة لواء الأخلاق ونظافة ذات اليد، وكان هذا ممكناً بفضل العمل الجبار للمجتمع المدني في تونس الذي بيّن بوضوح تام زيف الأخلاق وتكالب الجماعة على الجاه والمال، وأسهم كلّ هذا في انهيار ما كان يُعتقد خطأً أنه صرح غير قابل للانهيار وذلك نتيجة للهالة الدعائية لحركة الإخوان الدولية ولإخوان الداخل التي أحاطت العمل الإخواني بقدسية مغشوشة، وفي المقابل مارست كلّ أشكال التشويه المنافية للأعراف والأخلاق ضدّ خصومها.

سنوات قليلة كانت كافية لمجتمع تونسي قطع عبر تاريخه الحافل مع كلّ أشكال التطرف حتى يضع الظاهرة الإخوانية هي الأخرى بين قوسين، وهو يتهيأ الآن لقبرها نهائياً، رغم كلّ الضغوطات الإقليمية والدولية التي حاولت وتحاول أن تفرض «الإخوان» كجزء من المشهد السياسي التونسي والعربي عموماً.

إن المشروع السياسي في تونس، أي مشروع، كان وسيبقى موغلاً في جذوره الوطنية وقاطعاً مع التطرف مهما كانت أشكاله ومنفتحاً على الآخر نظراً لتنوع المشارب الحضارية لتونس ولأهمية دور النخب فيها مهما اختلفت الحقبات وطبيعة الدولة السائدة.

وقد كانت هذه النخب مساهمة بشكل كبير في الخروج بتونس إلى بر الأمان في كل الأزمات والكوارث، وهي إلى تلك القاطرة التي أنارت سبيل الشعوب التي سكنت أرض تونس، وهي مرشحة الآن للقيام بنفس المهمة حتى تنهض تونس من كبوتها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية، ولا يُعقل والحالة هذه أن يقع تهميش دورها لأيّ سبب من الأسباب، وإن تجارب الشعوب تؤكد أن الحكم الشعبي مآله الرأي والفعل والسياسة التي تحتك الحديث والتحدث والتصرف باسم الشعب في حين أن الحكم بتفويض من هذه الشعوب هو الممكن الدائم ولا يكون كذلك سوى ممارسته عن المؤسسات التي تلعب فيها النخب الدور الأساسي، وفي هذا الخصوص ستكون سنة 2023 حاسمة.

 

* كاتب تونسي

Email