شخصيات تحت المجهر

حمد علي السالم الزعابي.. رجل من الرعيل الأول لا يعرفه كثيرون

ت + ت - الحجم الطبيعي

المرحوم حمد علي السالم الزعابي من الشخصيات الكويتية التي طواها النسيان، ولا يعرف الكثيرون عن صولاته وجولاته في عالم الدبلوماسية وتمثيل بلاده في الخارج، وعمله في ثلاثينيات وأربعينيات القرن العشرين في دور المعتمدية البريطانية في الكويت ومسقط والبحرين، وفي سلك القضاء.

لم يُكتب عن الرجل الكثير، بل لا نجد معلومات وافرة عنه، باستثناء ما أورده الصديق الباحث المجتهد الدكتور عادل محمد العبدالمغني في كتابه «سفراء دولة الكويت 1961 ــ 2002»، وهو كتاب قيّم تناول فيه المؤلف سيرة أكثر من 90 سفيراً كويتياً منذ استقلال بلاده عام 1961، وخصص فيه عدة صفحات موثقة بالصور الفوتوغرافية للحديث عن الزعابي وسيرته ومشواره الوظيفي، وصولاً إلى سنوات تقاعده في لبنان وما حدث له بعد اندلاع الحرب الأهلية هناك.

وقبل أن نتوسع في الحديث عن هذه الشخصية السابقة لزمانها وأوانها، نتحدث قليلاً عن تاريخ المعتمديات البريطانية في الخليج العربي (سميت أيضاً تسميات أخرى، مثل الوكالة السياسية البريطانية والمقيمية البريطانية)، باعتبارها المكان الذي عمل فيه صاحبنا في فترة شبابه في ثلاثينيات وأربعينيات القرن العشرين، والمنهل الذي استقى منه خبراته الأولى قبل انتقاله إلى المجال الدبلوماسي في الستينيات الميلادية.

البداية كانت مع البحرين ذات الموقع الجغرافي المتميز في وسط المنطقة. ففي أعقاب الزيارة الرسمية الأولى التي قام بها إلى البحرين المقيم السياسي في بوشهر وليام بروس سنة 1819، تقرر تعيين وكيل محلي لبريطانيا في البحرين بدءاً من عشرينيات القرن التاسع عشر، ثم تقرر لاحقاً في أوائل القرن العشرين أن يستبدل به تدريجياً مسؤولاً بريطانياً، بسبب قلق بريطانيا من الأنشطة والتحركات العثمانية والفرنسية في الخليج العربي.

وأثناء الحرب العالمية الأولى تقرر أن تفصل معتمدية البحرين عن سلطة المقيم البريطاني في بوشهر، وأن توضع تحت السلطة المباشرة للسير بيرسي كوكس، المسؤول السياسي البريطاني الأول في العراق، لكن هذه الوضعية تغيرت بحلول عام 1922 في ضوء تطور مصالح بريطانيا في الخليج العربي وعلاقاتها مع سلطان نجد وملحقاتها (آنذاك)، عبدالعزيز آل سعود، رحمه الله، لا سيما بعد توقيع معاهدة دارين لسنة 1915.

وقبل استقلال الهند البريطانية بسنة واحدة، أي في عام 1946، انتقلت المقيمية السياسية البريطانية من بوشهر إلى البحرين، خصوصاً وأن تلك الفترة شهدت صعود نجم البحرين، بوصفها مركزاً تجارياً ومحطة ترانزيت وتزويد للوقود للرحلات الجوية ما بين الغرب والشرق.

وبالعودة إلى سيرة الزعابي، نجد أن ميلاده كان في الحي القبلي بمدينة الكويت القديمة عام 1911 لأسرة تنتمي إلى قبيلة الزعاب (مفرده الزعابي)، العربية المعروفة، التي ينتشر أفرادها في الإمارات وسلطنة عمان والبحرين والكويت والأحساء، لكن على حين تُجمع مصادر تاريخية كثيرة ومتنوعة، مثل كتاب «بنو سليم» لمؤرخ المدينة المنورة وصاحب مجلة المنهل السعودية العلامة عبدالقدوس الأنصاري، وكتاب «جزيرة العرب» لمصطفى مراد الدباغ، وكتاب «تاريخ وجغرافيا الخليج العربي» للمستشرق جي جي لوريمرز، و«موسوعة القبائل العربية» لمحمد سليمان الطيب، و«موسوعة قبائل العرب» لعبدالكريم الوائلي، وغيرها، أن الزعاب في شبه الجزيرة العربية والخليج العربي من بني سليم، ويوجد أكثرهم في سلطنة عمان والإمارات، حيث كانت لهم أدوار تاريخية مشهودة، يرى زعاب الكويت أنهم يرجعون إلى بني تميم، ولا توجد صلة لهم بزعاب عمان والإمارات، وأنهم لقبوا باسم زعاب لأنهم كانوا يزعبون الماء من الآبار.

وأياً تكن الحقيقة فإن الزعاب في الكويت عملوا في الغوص قديماً، وتصاهروا مع العديد من الأسر الكويتية المعروفة، مثل: الرويح والعمر والدرباس والفجري والجاسم والزيد، طبقاً لما ورد في موقع تاريخ الكويت، كما برزت منهم شخصيات معروفة في أكثر من مجال، مثل: النوخذة ماجد الزعابي، والمصور العالمي ماجد سلطان الزعابي، ومؤرخ التراث فهد علي الزعابي، ورئيسة قسم اللغة الفرنسية بكلية الآداب في جامعة الكويت الدكتورة ابتهاج الزعابي، والنوخذة خميس محمود الزعابي (حفيد ابن عقاب رامي مدفع رمضان والعيد في عهد الشيخ مبارك الصباح)، والوكيل المساعد بوزارة الداخلية اللواء الدكتور مصطفى الزعابي، وغيرهم.

في بدايات افتتاحها سنة 1922 التحق حمد علي السالم الزعابي للدراسة بالمدرسة الأحمدية، وفي الوقت نفسه، وبسبب عشقه لتعلم اللغات الأجنبية، التحق بأول مدرسة تأسست في الكويت لتعليم اللغة الإنجليزية، والتي كانت تُعرف عند العامة بـ«مدرسة الأمريكاني»، وهي مدرسة افتتحها في الكويت القس الأمريكي «أدوين كالفرلي Edwin Calverley» زوج طبيبة الإرسالية الأمريكية الدكتورة إلينور، التي عاشت في الكويت من عام 1912 إلى عام 1932، وأطلق عليها الشيخ مبارك الصباح (ت: 1915) اسم «الخاتون حليمة».

استمر الزعابي في دراسة الإنجليزية عدة سنوات، حتى تمكن منها كتابة وقراءة وتخاطباً، وأتبع ذلك بدراسة اللغتين الفرنسية والألمانية، حتى أجادهما في زمن لم يكن فيه أحد من مواطنيه يتحدث غير اللغة العربية، فسجل بذلك اسمه ضمن طليعة الكويتيين المثقفين.

في تلك الفترة من تاريخ الكويت المبكر، لم تكن هناك وظائف تناسب مؤهلات الرجل سوى العمل لدى دار الاعتماد البريطاني، وبالفعل تمّ توظيفه في عام 1930 للقيام بأعمال الترجمة. ولم يمضِ سوى عامين على ذلك إلا وقد تم إرساله إلى مسقط للعمل بالمعتمدية البريطانية هناك في كتابة الرسائل وترجمتها.

وفي مسقط أمضى الزعابي خمس سنوات متواصلة من حياته، تماهى خلالها مع العادات والتقاليد العُمانية، واندمج أثناءها في البيئة العمانية التي استهوته كثيراً، لدرجة أنه ارتدى الملابس والعمامة العُمانية التقليدية.

وخلال تلك السنوات عمل في أعمال أخرى غير وظيفته الرسمية، منها العمل وسيطاً بين الإنجليز وسلطان عمان حينذاك سعيد بن تيمور بن فيصل البوسعيدي (ت: 1972). أما أوقات فراغه في مسقط فقد استثمرها في دراسة القوانين والاتفاقيات وترجمتها، ما جعله خبيراً في أمور القضاء، نظراً لعلاقة القضاء بتلك القوانين التي عكف على دراستها.

في عام 1937 عاد إلى الكويت، غير أن المقام لم يطل به، إذ سرعان ما استُدعي في العام نفسه للعمل بدار المعتمدية البريطانية في المنامة، بعد أن تزايدت الأعمال الإدارية للمعتمدية ومراسلاتها الداخلية والخارجية في فترة ما بين الحربين العالميتين، خصوصاً وأن أغلب كتّاب ومترجمي المعتمدية وقتذاك كانوا من رعايا الهند البريطانية يساعدهم عدد قليل من الموظفين العرب.

يقول الصديق الدكتور عبدالله عبدالرحمن يتيم في كتابه «المنامة المدينة العربية: دراسة نقدية أنثروبولوجية»، الصادر عن مركز دراسات البحرين بجامعة البحرين عام 2015: «من نشاطات المُعتمد الأسبوعية بصفته قاضياً النظر في القضايا ذات الصلة بالأجانب المقيمين بالبحرين في محكمة دار الاعتماد بالمُعتمدية، وكذلك الحضور مع حاكم البحرين، أو من ينوب عنه، في جلسات المحكمة المختلطة بمقرها في مبنى الحكومة، وذلك للنظر في القضايا المختلطة بين الأجانب والبحرينيين».

وهكذا يمكن القول إنه مع تزايد أعداد الأجانب من غير المسلمين المقيمين في البحرين، نتيجة لازدهار أعمال النفط، ازدادت أعمال محاكم المعتمدية زيادة تصاعدية، وهو ما فتح الطريق أمام الزعابي، بصفته ملمّاً بالقوانين ومطلعاً عليها، للعمل قاضياً بمحاكم المعتمدية حتى عام 1948، وهو العام الذي عاد فيه إلى الكويت، حيث راح يمارس أعمالاً تجارية حرة، منها تأسيسه بعض الشركات التجارية الخاصة، التي باشر من خلالها مراسلة الشركات الأجنبية لاستيراد احتياجات السوق المحلي من مختلف البضائع، والتفاوض معها مباشرة، مستخدماً إجادته اللغات الإنجليزية والفرنسية والألمانية.

كما أسس الزعابي في هذه الفترة شركة للمقاولات والإنشاءات، حصل من خلالها على مقاولة بناء مساكن لموظفي شركة نفط الكويت بمنطقة الأحمدي مع مرافقها المختلفة، وأخرى لبناء سكن لعمال الشركة بمنطقة الفحيحيل.

كانت سنة 1961، التي نالت فيها الكويت استقلالها، وكانت بمثابة منعطف جديد في حياة الزعابي، ففيها استدعاه ولي العهد ورئيس مجلس الوزراء حينذاك الشيخ صباح السالم الصباح، بصفته وزيراً للخارجية، وفاتحه للعمل سفيراً، بسبب خبرته القانونية والإدارية، وإجادته اللغات الأجنبية.

وقد استجاب الرجل لنداء الوطن، فتم تعيينه بتاريخ 17 ديسمبر 1961 سفيراً فوق العادة مفوضاً لدولة الكويت في طهران، وقدم أوراق اعتماده لشاه إيران في قصر كلستان عام 1962، فصار بذلك أول سفير كويتي معتمد لدى البلاط الشاهنشاهي، وسادس سفير كويتي من حيث الأقدمية.

وخلال فترة مهمته الدبلوماسية في طهران، التي انتهت في الثالث والعشرين من ديسمبر 1965، عمل على توثيق علاقات بلاده مع إيران، والتي توجت لاحقاً بأول زيارة رسمية للشاه محمد رضا بهلوي إلى الكويت عام 1968، وتسنّى له الالتقاء بعدد كبير من زعماء الدول العربية والآسيوية والأفريقية والأوروبية الزائرين، كما تشهد على ذلك الصور الفوتوغرافية العديدة التي نشرها الباحث عادل العبدالمغني في كتابه آنف الذكر.

محطته الدبلوماسية التالية بعد طهران كانت العاصمة السودانية الخرطوم، التي عيّن بها سفيراً ابتداءً من يناير 1966.

وقد تقدم باستقالته في الثاني والعشرين من يناير 1967. وخلال عمله في الخرطوم انضم إلى الوفد الكويتي المشارك في القمة العربية الرابعة (قمة اللآت الثلاثة) برئاسة الأمير الراحل الشيخ صباح السالم الصباح (ت: 1977)، التي عقدت هناك في الفترة ما بين التاسع والعشرين من أغسطس والأول من سبتمبر 1967، لبحث آثار هزيمة يونيو ودعم دول المواجهة.

في أعقاب استقالته من عمله الدبلوماسي، قرر الزعابي أن يتقاعد عن العمل، فاختار بلدة حمانا اللبنانية الجميلة المطلة على وادي لامارتين على بعد 26 كلم شرق بيروت مقاماً دائماً له، وبالفعل عاش هناك سنوات جميلة من حياته، منشغلاً بممارسة هوايته في قراءة الكتب الأدبية والتاريخية، حتى سنة 1975، التي اندلعت فيها الحرب الأهلية اللبنانية، فاضطر لمغادرة لبنان مثلما فعل الكثيرون غيره.

وهكذا عاد الرجل إلى الكويت سنة 1978، ليُتوفى على أرضها وسط أهله وعشيرته في يناير من العام نفسه، مخلفاً وراءه سيرة عطرة والعديد من شهادات ودروع وأوسمة التكريم والتقدير.

 

Email