شخصيات تحت المجهر

حسن كمال.. سلطان الميكروفون وصوت البحرين الآسر

ت + ت - الحجم الطبيعي

إن كان هناك صوت مميز في البحرين، تعلقت به الأسماع والآذان منذ أكثر من ستة عقود، فلا شك أنه صوت حسن كمال. لكن الرجل، الذي يأسرك بأخلاقه ووده وابتسامته الدائمة وتواضعه الجم، ليس مجرد مذيع إذاعة فحسب، وإنما هو متعدد المواهب وشخصية محبوبة يسعد المرء بالجلوس إليها والاستماع إلى حكاياته المدهشة التي تنقلك إلى أجواء الماضي الجميل. تحدث عنه الكثيرون ممن عرفوه عن كثب، فلم يقل أحدهم فيه إلا كل ما يشير إلى نبله وتميزه وتفانيه في عمله وعذوبة صوته وشفافية أسلوبه ورقة مشاعره وثراء مساهماته.

ولد «حسن سلمان محمد حسن بوكمال» بالمنامة في سبتمبر 1942، ابناً سابعاً لتاجر معروف خسر تجارته بسبب تقلبات الزمن فانتهى في دكان صغير في ممر متفرع من شاعر التجار داخل سوق المنامة القديم.

نشأ في بيت والده ووالدته «رقية بنت خليفة الذوادي» بفريج الفاضل وسط المنامة، والذي كان يضم أيضاً جدته لأبيه «رقية بنت علي الذوادي» وإخوته العشرة. وكان لنشأته في هذا الحي العريق.

كان حسن وقتها ككل الصغار يلعب في طرقات الحي مع أقرانه من الجنسين ويصطاد الجراد النطاط ويتداوى في مستشفى الإرسالية الأمريكية القريب.

ولم يأت مطلع الخمسينات إلا وحسن يستمع سعيداً إلى أغاني بن سلمان من خلال جهاز الغرامافون القديم في بيتهم، من بعد أن كان يسمعها خلسة من وراء الحيطان. هكذا كانت بدايات حسن مع الطرب والموسيقى والتي قادته إلى أن تعلم العزف على العود والغناء بصوته الرخيم.

لاحقاً، حدث وأن أعلن بن داوود عن رغبته في تنظيم حفلة منوعة تشتمل على عروض فنية وموسيقية ومسرحية ورياضية، فكان حسن وبعض أصدقائه من أطفال الحي ضمن من اختارهم بن داوود للاشتراك في تمثيلية من إعداده، فكانت تلك هي المرة الأولى التي يقوم فيها بالتمثيل، والمرة الأولى أيضاً التي يدنو فيها من آلة العود ويتحسسها.

غير أن حلم الصبي المراهق تحقق في العام نفسه، حينما أحضر له صديقه يوسف البسام عوداً كهدية، ليبدأ بعدها هواية جمع آلات العود.

كان حسن في هذه المرحلة قد أنهى دراسته الابتدائية والإعدادية بالمدرسة الشرقية بالمنامة، وكان قبلها طالباً غير منتظم في كتاب يديره «مطوع». وحينما بلغ مرحلة الدراسة الثانوية كانت أمامه خيارات الالتحاق بفرع من فروعها الأربعة (علمي، أدبي، تجاري، معلمين)، فاختار الالتحاق بفرع المعلمين. عن ذلك قال: لم أكن من المتفوقين، ولم أكن أجيب على أوراق امتحانات الرياضيات والهندسة والجبر فكان المدرسون يهددونني بالرسوب، لكني لم أكترث لأن عندي رفض داخلي لمثل هذه المواد.

ويعترف حسن بفضل مدرسي البعثات المصرية والسورية والفلسطينية والعراقية عليه لجهة تمكينه من اللغة العربية وترغيبه في الأدب والشعر، الأمر الذي غرس فيه حب الأدب والشعر منذ الصف الرابع ابتدائي، وشجعه على قراءة كل ما يتعلق بهما من كتب ونشرات. يتذكر حسن في حديث لصحيفة «الأيام» (1/‏‏‏‏‏‏5/‏‏‏‏‏‏2020) أنه وهو على أبواب التخرج من المرحلة الثانوية أرسلت شركة نفط البحرين إلى مدرسته فريقاً لاختيار الطلبة الموهوبين من أجل إلحاقهم بمركز الشركة للتدريب، لكنه رفض العرض وكأنما ينتظر شيئاً آخر أكثر تناغماً مع ميوله الأدبية. وقد جاءه هذا الشيء سريعاً حينما زار المدرسة موفدون من إذاعة البحرين الناشئة بحثاً عمن يجدون فيه المواهب اللازمة للعمل الإذاعي، فكان صيدهم الثمين هو حسن كمال، فتم تعيينه في الإذاعة حتى قبل حصوله على شهادة الثانوية ودبلوم المعلمين بطلب من مدير الإذاعة ومؤسسها المرحوم إبراهيم علي كانو.

وهكذا، وجد نفسه فجأة سنة 1959 ضمن الكادر الصغير الأول الذي أدار إذاعة البحرين. ولأنه كان محباً للشعر والموسيقى، علاوة على خبرة اكتسبها من مشاركاته في برنامج «ركن الأشبال» من إذاعة البحرين اللاسلكية، فقد تم تكليفه في البداية بإعداد فقرات الأغاني والشعر.

قدم حسن برامج كثيرة من إذاعة البحرين، لكنه يعتز بصفة خاصة ببرنامج «حديث ذو شجون» بسبب مضمونه الشعري، وبرنامج «سيرة لا تنسى» كونه البرنامج الأول في مشواره، ناهيك عن أنه البرنامج الذي شاركته فيه المذيعة عائشة عبد اللطيف بعد التحاقها بالإذاعة سنة 1967، حيث أعجب بها وبادلته الإعجاب ونشأت بينهما قصة حب جميلة انتهت بزواجهما عام 1968.

ونظراً للنقص الشديد في إمكانيات الإذاعة، كان صاحبنا يكتب ويقرأ ويذيع وينتج ويخرج ويهندس الصوت وينقح النشرات وينتقد ويوجه ويلتقط الأخبار ويحررها.

ظل حسن وفياً للإذاعة إلى أن غدا مديراً لها في الفترة من 1980 إلى 1988، قبل أن يخرج منها إلى منصب مرموق ذي صلة بانشغالاته المتعددة هو «مدير الثقافة والفنون والأمين العام للمجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب» الذي تولاه من 1988 حتى سنة تقاعده عام 1998.

تشكل الهوايات المتنوعة جزءاً من شخصية حسن كمال. فتلك التي بدأت مع القراءة والعزف والشعر والرسم تنامت وتوسعت إلى أن غدا عازفاً جيداً على آلة العود، وشاعراً رقيقاً ينظم القصائد بالفصحى وباللهجة الدارجة، ومن الأخيرة ما غناه مطربون بحرينيون مثل إبراهيم حبيب وأحمد الجميري. عدا ذلك تولع صاحبنا بالسينما والمسرح والتلفزيون كمشاهد ومتابع وناقد.. أما التلفزيون فقد تولع به من خلال محطة تلفزيون أرامكو من الظهران التي كان بثها يصل إلى البحرين.

وبالمثل استهواه التمثيل منذ أن اختاره «بن سلمان» كمشارك في مسرحية من إعداده، قبل سنوات من اشتراكه أثناء دراسته الثانوية في مسرحية «غروب الأندلس» في دور الوزير المخلوع، وقبل أن يشارك في التمثيليات الإذاعية باللغة الفصحى مع زوجته ضمن برامج كانت الأخيرة تستعرض فيها مسرحيات شاعري البحرين الكبيرين إبراهيم العريض وعبد الرحمن المعاودة.

Email