هل نقاطع اللحوم والسيارات والبيوت الأسمنتية؟!

ت + ت - الحجم الطبيعي

قبل ساعات من افتتاح قمة المناخ العالمية في شرم الشيخ (6 - 18 نوفمبر الماضي) تظاهر عدد من نشطاء المجتمع المدني الدوليين في الساحة المخصصة لهم، ورفعوا عدة شعارات منها: «أوقفوا قتل الحيوانات.. النظام النباتي هو الحل»، «تحول لشخص نباتي.. واصنع السلام» و«زراعة عضوية ونظام نباتي يحافظ على الكوكب». و«لا تأكلني وكن نباتياً».

المحتجون يطالبون بالاكتفاء بالأكل النباتي، وعدم تناول اللحوم بمختلف أنواعها باعتبار أن ذلك أحد أسباب زيادة انبعاثات الغازات الدفيئة، التي تسبب الاحتباس الحراري في كوكب الأرض.

الذين يدركون خطورة التغيرات المناخية على مستقبل الكوكب يقولون إنه من المهم أن يقرر العالم تغيير نمط حياته بصورة جذرية، حتى نضمن استمرار الكوكب بدلاً من دماره.

هذه التغيرات الجذرية، لا تشمل فقط التوقف عن أكل اللحوم والأسماك والدواجن، وكل ما له صلة بالحيوانات، باعتبار أن الأخيرة أحد أسباب زيادة انبعاث الغازات الدفيئة. المطلوب، طبقاً لتقديرات ناشطي المناخ، هو التحول إلى السيارات التي تعمل بالكهرباء في غضون أقل من خمس سنوات.

في الماضي كان المعارضون يقولون إنه يستحيل فعل ذلك لأن تكلفة السيارات الكهربائية كبيرة جداً مقارنة بالسيارات العادية، والآن فإن سعر هذه السيارات صار قريباً من سعر السيارات العادية، خصوصاً مع التوسع في إنشاء محطات شحن السيارات الكهربائية.

بعض بلدان الاتحاد الأوروبي تقول إنها لن تسمح إطلاقاً بدخول أي سيارة غير كهربائية إلى أراضيها قريباً.

كما أن هناك العديد من الدول بدأت مشروعات كبرى لزيادة استخدام السيارات الكهربائية، وكذلك التوسع في استخدام الحافلات والشاحنات التي لا يصدر منها أي انبعاثات، وحتى في هذه النقطة فإن البعض يقول إن العالم يحتاج إلى عدد أقل من السيارات في الشوارع، ويمكن الاستعاضة عنها بالمشي وركوب الدراجات الهوائية الميكانيكية.

بالنسبة لدعاة البيئة، الحل هو مواصلة التحرك نحو مصادر الطاقة المتجددة مثل الرياح والشمس والطاقة النووية، خصوصاً أن تكلفة الأخيرة - كما يقولون - لم تعد مرتفعة كثيراً، بل أصبحت اقتصادية في العديد من البلدان، والعديد من المواطنين والشركات بدأت تلجأ إليها.

يقول هؤلاء أيضاً إنه لا مفر من أن تصبح بيوتنا آجلاً أم عاجلاً صديقة للبيئة.

فمثلاً لن نحتاج للتيار الكهربائي الآتي من محطات توليد الكهرباء التي تعمل بالغاز أو المازوت، بل ستكون هناك الألواح الشمسية والمضخات الحرارية. وأحلام هؤلاء لا تتوقف عند هذا الحد، بل تصل إلى الاستغناء تماماً عن البيوت الأسمنتية، والاستعاضة عنها بمواد بناء منخفضة الكربون، مع إصلاح وترميم البيوت القديمة، وأن نكون متأكدين من أن المباني والبنية التحتية قادرة على تحمل التأثير الحالي والمستقبلي للتغيرات المناخية المتسارعة.

بيوت المستقبل المتوافقة مع البيئة ستكون مصممة لامتصاص هطول الأمطار الغزيرة، وتركيب أسقف باردة لتعكس ضوء الشمس وتمنع ارتفاع درجة الحرارة، وكذلك صنع منافذ قوية تتمكن من صد رياح الأعاصير.

المستقبل قد يشهد تغيراً في نمط حياتنا، فقد نرى بنداً بالتكلفة المضافة لانبعاثات الكربون إلى سعر المنتج الفعلي، وبالتالي إذا لم تستطع الشركة تقليل انبعاثات الكربون فقد تضطر إلى رفع أسعارها، ونتيجة لذلك فإن شركات عالمية كبرى قالت إنها تتطلع إلى تشغيل سفن شحن توصيل بضائعها بوقود يراعي البيئة.

قد يبدو كل ما سبق خيالياً بالنسبة لقطاعات كثيرة من الناس في العالم أجمع، خصوصاً إذا كانت ظروفهم الاقتصادية لا تستطيع التعامل مع الواقع الملوث كربونياً والمحتبس حرارياً، فما بالك بالتكيف مع التغيرات المناخية خصوصاً الذين يعيشون في دول أو مدن فقيرة، وليس لديهم كهرباء أساساً حتى لو كانت تعمل بالمازوت؟!!.لكن هناك بدائل مهمة إذا تعامل الناس برفق مع البيئة مثل عدم قطع أشجار الغابات، والبحث عن تكنولوجيا صديقة للبيئة، وأن يستثمر الناس أموالهم في قطاعات أكثر مراعاة للبيئة، وأن يحسنوا كفاءة الطاقة في منازلهم، وأن تكون سلة غذائهم متوافقة مع البيئة، حتى تصل إلى «الصفر الإجمالي» أي تتوقف الانبعاثات تماماً، وإذا حدث ذلك سيعود الناس إلى الحياة الطبيعية كما كانت قبل الثورة الصناعية. كل ما سبق كلام عظيم ومهم وليته يتحقق، لكن هل يمكن أن يحدث؟!

* رئيس تحرير صحيفة الشروق المصرية

Email