«حكايات أهل الفن»

حكاية أغنية «تسائلني حلوة المبسم»

ت + ت - الحجم الطبيعي

في ديوان «حديث قبلة» للشاعر المصري محمود علي طه (1901 ــ 1949) الملقب بـ«شاعر الجندول»، توجد قصيدة رائعة تقول مقدمتها: تسائلني حلوة المبسم.

وقد بدأ الشاعر قصيدته بكلمة «تسائلني» التي سبق له استخدامها في قصيدة أخرى هي «تسائلني وهل أحببت مثلي.. وكم معشوقة لك أو خليلة»، علماً بأن شعراء آخرين سبقوه في استخدامها في بدء قصائدهم مثل أبي فراس الحمداني في قصيدة «تسائلني من أنت؟، وهي عليمة.. وهل بفتى مثلي على حاله نكر»، ومثل أبي القاسم الشابي في قصيدة «تسائلني ما لي سكت ولم أهب.. بقومي وديجور المصائب مظلم».

ومن ناحية أخرى اتبع الشاعر محمود علي طه في نظم قصيدته أسلوب الحوار من خلال سؤال وجواب، وهو أسلوب استخدمه العديد من الشعراء، لعل أولهم قيس بن الملوح في قصيدة «لما تلاقينا» التي يقول مطلعها:

ولما تلاقينا على سفح رامة.. وجدت بنان العامرية أحمرا

فقلت خضبت الكف بعد فراقنا.. فقالت معاذ الله ذلك ما جرى

ولكنني لما رأيتك راحلاً.. بكيت دماً حتى بللت به الثرى

مسحتُ بأطراف البنان مدامعي.. فصار خضباً بالأكف كما ترى

غير أن أجمل تجليات الحوار في القصيدة الشعرية نجدها في قصيدة «قالت» للشاعر صفي الدين الحلي التي تبدأ بـ «قالت كحلت الجفون بالوسن.. قلت ارتقاباً لطيفك الحسن» والتي لحنها وغناها الموسيقار محمد عبد الوهاب سنة 1942.

ألهمت قصيدة «تسائلني حلوة المبسم» الكثيرين بغنائها لعذوبة كلماتها ومعانيها، فتم تسجيلها بألحان مختلفة وأصوات عديدة، ونسب غناؤها إلى أكثر من مطرب معروف في اليمن والخليج العربي.

فقد غناها كموال مطرب الحجاز الكبير محمد علي سندي، وغنى مقدمتها كموال طلال مداح في مطلع أغنيته «ما عننا وعنك»، وفعل الشيء نفسه عمر كدرس في مطلع أغنيته «أنا ما خبرت»، ثم جاء محمد عبده فغنى مقدمتها في ثنايا أغنيته «غالي الأثمان» أثناء حفل بالمغرب.

كذلك قام بتأديتها كاملة الفنان عبد الرب إدريس، والفنان الشعبي الكويتي سلطان المفتاح، ومواطناه المعتزلان فيصل الفرج وحمد سنان، والفنان الإماراتي علي بن محمد. أما في اليمن فقد سجلت بأصوات محمد جمعة خان (يعتقد أنه هو أول من وضع لحنها الجميل المتأثر بالموسيقى الهندية)، وأحمد يسلم خميس زبير الشهير بـ«بدوي زبير» وحمود السمّة و«بلبل حضرموت» محفوظ بن بريك و«بلبل الشرق» سالم بازياد، وغيرهم كثير إلى درجة قيل معها إنها أغنية يمنية الأصل، سرقها آخرون وأضفوا عليها هوياتهم.

على أن أول وأشهر من غناها على مستوى الخليج، فعرفت باسمه منذ خمسينات القرن العشرين هو الفنان البحريني علي خالد. وعلي خالد بن هجرس المولود بفريج الزياينة بالمحرق سنة 1931 والمتوفى في أغسطس 2002 فنان شعبي تولع بالغناء والعزف منذ صغره، ونشأ على أصوات عمالقة الصوت الثلاثة محمد بن فارس وضاحي بن وليد ومحمد زويد قبل أن يتعهده بالرعاية الفنية كل من إبراهيم حمودة مدرس الأناشيد بمدرسة الهداية الخليفية، حيث كان يدرس الابتدائية، وشقيقه الفنان أحمد خالد، ثم ما لبث أن درس الموسيقى على يد المرحوم الفنان جاسم عمران فاستفاد منه كثيراً، ليبدأ الغناء بعدها في حفلات الزواج وجلسات السمر ويشتهر.

وفي مطلع الخمسينات سجل أولى أغانيه على أسطوانات لدى «شركة أبناء الساعاتي» للتسجيلات الصوتية بالمنامة، وكانت أغنية «تسائلني حلوة المبسم» وهي أيضاً أول أغنية سجلها لإذاعة البحرين اللاسلكية بعيد افتتاحها سنة 1955. وعرف عنه تمثيله البحرين في مهرجانات الموسيقى العالمية، فقد مثلها في مهرجانات الدنمارك وفرنسا وألمانيا في السبعينات والثمانينات، كما مثلها في مهرجان العراق.

Email