حينما تكتشف أنك في آخر العمر

ت + ت - الحجم الطبيعي

«يبدو أنني بالأمس فقط كنت صغيراً وأبدأ حياتي الجديدة. لكن بطريقة ما بدا الأمر وكأنه منذ دهور، وأتساءل أين ذهبت كل تلك السنوات؟».. بهذه الكلمات المؤثرة بدأ رسالته إلى أقرانه من كبار السن، والتي قد تكون لفت العالم أكثر من مرة، بسبب من أناقة أسلوبها وسحر نبضها والحقائق التي تتحدث عنها، ويكاد البعض منا لا يراها ليتوقف عندها ويتأملها. ولكن قبل أن أترك القارئ مع هذه الرسالة، خصوصاً الذين خلفوا وراءهم حزمة من السنين، يرمونها بنظرة بين الحين والآخر، مرة للعبرة وأخرى للدهشة. قبل أن أترك القارئ ليحلق في فضاء هذه الرسالة، أردت التعريف بكاتبها السويدي بيير يوهانسون، الصحافي والروائي والشاعر والناقد الاجتماعي، الذي درس ودرّس علم الاجتماع في جامعة استكهولم لسنوات. عمل بيير في شبابه فلاحاً وعامل بناء وكسار حجارة وساعي بريد، ولا يبدو أنه ترك عملاً من الأعمال المشروعة لم يقم بها كسباً للعيش. واعتمد على نفسه بتكوين ثقافته الأدبية من خلال القراءة، بالرغم من الأوضاع الصعبة التي عايشها. واحترف الكتابة وله العديد من المؤلفات؛ قصصاً وروايات ودواوين شعرية ومقالات، وتقارير صحافية عن بلدان عدة زارها واختلط بشعوبها وتعرف على ثقافتها. لا أريد الإطالة فهي ليست مرغوبة، أترككم مع رسالة الكاتب بيير يوهانسون وعنوانها (الربع الأخير من العمر):

«كما تعلم، للوقت طريقة للتحرك بسرعة وإلقاء القبض عليك وأنت غير مدرك للسرعة التي انقضت بها السنوات. يبدو أنني بالأمس فقط كنت صغيراً وأبدأ حياتي الجديدة. لكن بطريقة ما بدا الأمر وكأنه منذ دهور، وأتساءل أين ذهبت كل تلك السنوات؟ أعلم أنني عشتها كلها من دون نقص، لدي لمحات عن كيف كنت في ذلك الوقت ولمحات عن آمالي وأحلامي فيها. ولكن فجأة اكتشفت أنني أعيش الربع الأخير من حياتي وقد أدهشني ذلك الاكتشاف. أين ذهبت كل تلك السنين، ومتى، والى أين غادر شبابي؟ كم قابلت وعرفت من كبار السن طوال حياتي، وكم اعتقدت أن الشيخوخة التي اتصفوا بها بعيدة عني، ذلك حين كنت في الربع الأول من رحلة العمر، وكان الربع الرابع بعيداً عني لدرجة أنني لم أتمكن من تخيل كيف يمكن أن يكون حين أبلغه. لكن ها هو الربع الرابع قد اقتحم بابي وتجاوز أعتابي وسلبني شبابي.

أصدقائي متقاعدون وأصبحوا شيباً، يتحركون ببطء، ويسمعون بعسر، ويفهمون بمشقة، بعضهم في حال أفضل مني وبعضهم أسوأ، لكني أرى التغير الجسيم في أحوالهم، ليسوا مثل الأشخاص الذين أتذكرهم والذين كانوا صغاراً ونابضين بالحيوية، نحن الآن أولئك الأشخاص كبار السن الذين اعتدنا على رؤيتهم ولم نتخيل يوماً أننا سنكون مثلهم. اليوم أصبحت أرى أن مجرد الاستحمام هو هدف حقيقي لهذا اليوم! والقيلولة لم تعد اختيارية بعد الآن، إنها إلزامية، لأنني إن لم آخذ قيلولتي بمحض إرادتي فأني سأغفو حيث أجلس.

وهكذا أدخل الموسم الجديد من حياتي غير مستعد للأوجاع والآلام وفقدان القدرة على القيام بأشياء كنت أتمنى أن أفعلها ولكني لم أفعلها أبداً. كم ندمت على أشياء كنت أتمنى لو لم أفعلها، وكم ندمت على ما كان يجب أن أفعله ولم أفعله، كما اكتشفت أن هناك العديد من الأشياء التي أسعدني القيام بها خلال ما مضى من العمر. إن لم تكن في الربع الأخير من عمرك بعد، دعني أذكرك أنه سيأتيك أسرع مما تتوقع. لذلك كل ما ترغب في تحقيقه في حياتك افعله بسرعة، لا تؤجل، تمر الحياة بسرعة، لذا أفعل ما تستطيع اليوم، إذ لا يمكنك أبداً التأكد مما إذا كنت في الربع الأخير أم لا. ليس لديك وعد بأنك سترى كل فصول حياتك؛ لذا عش اليوم وأفعل وقلْ كل الأشياء التي تريد أن يتذكرها أحباؤك.. وكن على أمل أن يقدروك ويحبوك على كل الأشياء التي فعلتها لهم في كل السنوات الماضية.

(الحياة) هدية لك.. الطريقة التي تعيش بها حياتك هي هديتك لمن سيأتي بعدك، اجعلها رائعة، عشها بشكل جيد: تمتع بيومك. أفعل شيئاً ممتعاً. كن سعيداً. أتمنى لك يوماً عظيماً. تذكر أن (الصحة) هي الثروة الحقيقية وليست قطع الذهب والفضة. يفضل أن تضع في اعتبارك ما يلي:

كل ما بقي لك من الصحة فضل من الله فأحمده على بقائه لك. إن خرجت من المنزل لوحدك فاحمد الله أنك قادر على العودة إليه. نسيت الأسماء، لا بأس.. لأن بعض الناس نسوا أنهم يعرفونك حتى! أنت تدرك أنك لن تكون محترفاً في كل شيء حتى في ارتداء ملابسك من دون مساعدة. الأشياء التي اعتدت على القيام بها، لم تعد مهتماً بها بعد الآن، ولم يعد يعنيك أنك لا تهتم بها. تنام على كرسي أمام التلفزيون وهو على وضعية (ON) بشكل أفضل مما لو كنت نائماً في سريرك. تفوتك الأيام التي كان فيها كل شيء يعمل فقط بمفتاح (تشغيل) و(إيقاف). أنت تميل إلى استخدام الكلمات ذات الحروف القليلة: «ماذا؟»، «متى؟». لديك الكثير من الملابس في الخزانة.. أكثر من نصفها لن ترتديها أبداً. سيكون للقديم قيمة أكثر من ذي قبل في حياتك: الأغاني القديمة؛ الأفلام القديمة؛ وأفضل ما في الأمر الأصدقاء القدامى. أرسل هذا إلى أصدقائك القدامى.. ودعهم يضحكون متفقين معك. وتذكر ليس المهم ما تجمعه، ولكن ما تنثره هو الذي يخبرنا بنوع الحياة التي عشتها».

Email