نقص الانتباه وفرط الحركة

ت + ت - الحجم الطبيعي

خسرت الأمة العربية وغيرها لعقود طويلة عقولاً لامعة كان يمكن أن تشق طريقها نحو التعلم والتفوق، لولا أنهم اضطروا للاستسلام لأوهام «ضعفهم» وعدم قدرتهم على خوض غمار التعليم. ففي العالم ملايين البشر اكتشف العلم الحديث أنهم أناس طبيعيون مثل سائر البشر، غير أن لديهم معاناة بسيطة مع ما يسمى «بنقص الانتباه مع فرط الحركة» ADHD.

وهذا الاضطراب كما يصفه مستشفى «مايو كلينك» مرتبط بالصحة العقلية، ويواجه صاحبه تحديات مستمرة مثل «فرط الحركة وصعوبة الانتباه والسلوك الاندفاعي». وقد يؤدي في بعض الأحيان إلى «علاقات غير مستقرة وضعف العمل أو الأداء المدرسي، وتراجع الثقة بالنفس، وغيرها من المشكلات». ورغم أن الاضطراب يلاحظ لدى البالغين، إلا أنه يبدأ في مرحلة الطفولة المبكرة.

الفارق بين مرحلة الطفولة والبلوغ، أن المرء قد يقل «فرط حركته» مع تقدمه بالعمر، لكن «قد تستمر أعراض الاندفاع والهياج وتشتُّت الانتباه». أما الأسباب فقد تكون جينات وراثية، أو البيئة المحيطة، أو مشكلات في النمو.

ويكون علاج الاضطراب، كما يشير «مايو كلينك»، عبر استشارات الصحة العقلية (علاج نفسي) أو الأدوية في بعض الأحيان. ويصاب بهذا الاضطراب شخصيات لامعة حول العالم منهم ناجحون كالعلماء وعلى رأسهم آينشتاين، ونجوم السينما والمسرح والفنانون والسياسيون والكتاب والأدباء وكبار التجار مثل بيل غيتس الذي تربع على عرش أغنى أغنياء العالم لسنوات عديدة.

وكم من مبدع في مدارسنا، كان ضحية ضحكات وتنمر طلبة أو معلم لم يفقهوا أن من يتندرون عليه، ربما يفوقهم خلقاً وعلماً وخبرة.

ولذلك كان من المهم أن يُدَرَّب المعلمون على كيفية التعامل مع هذه الاضطرابات وغيرها مما يؤثر على العملية التعليمية. فقد يكون الحل بسيطاً، مثل منح بعضهم وقتاً أطول في الاختبارات، بدلاً من «ماراثون الاختبار» الذي تختبر فيها المؤسسات التعليمية سرعة الإنسان بدلاً من جودة تفكيره المتأني. ومن الذي قال إن إجابات الاختبارات لا بد أن تكون سريعة؟ كم من مبدعين سقطوا وتراجعت درجاتهم بسبب عقدة الوقت التي تعاملنا بمسطرة واحدة وننسى أن البشر لديهم فروقات فسيولوجية ونفسية.

مشكلتنا أيضاً أن بعض أولياء الأمور يتجنبون الإعلان عن إصابة أبنائهم بأي اضطراب نفسي وإن كان بسيطاً خشية من ألسنة «المتنمرين» المتعجرفين الذين نسوا أن كل إنسان معرض للإصابة بمشكلة أو اضطراب نفسي في وقت من الأوقات. دورنا كبشر أن نمد اليد لبعضنا البعض حتى نستمر في ميادين الحياة كما يفعل لاعبو كرة القدم بروحهم الرياضية. ويتردد البعض في الإعلان عن اضطراب ADHD على اعتبار أن أعراضه تسبب لهم إحراجاً. فمن أعراضه مثلاً:

«الميل للتصرُّف باندفاع، عدم التنظيم، ومشكلات في ترتيب الأولويات، وضعف مهارات إدارة الوقت، ومشكلات التركيز على مهمة محدَّدة، وصعوبة القيام بمهام متعدِّدة، والتململ، وضعف القدرة على ضبط النفس». كما قد يتعرض حامل هذا الاضطراب إلى «تقلُّبات مزاجية متكرِّرة، وصعوبة استمرار وإكمال المهام، فضلاً عن المزاج العصبي، ومشكلات في التعامل مع المواقف الضاغطة»، بحسب «مايو كلينك».

ولحسن الحظ، فإن أعراض الاضطراب ADHD تتفاوت ما بين بسيطة وحادة. وفي بعض الأحيان يصعب تشخيصه، على اعتبار أنه يتشابه مع أعراض تسبب حالات أخرى مثل اضطرابات القلب والمزاج، والاكتئاب والقلق.

خلاصة الأمر أن الطريق أمامنا كعرب طويل جداً، إذا لم ندرك خطورة تداعيات التندر أو تجاهل الاضطرابات النفسية على مسيرة المبدعين من حولنا، وفي مقدمتها اضطراب نقص الانتباه مع فرط الحركة. فتخيل لو أن اينشتاين أو غيره من العلماء الكبار استسلم لتندر المتنمرين وتقوقع في بيته ورفض استكمال تعليمه، سوف تخسر البشرية قدرات بشرية هائلة.

ولهذا فإن وزارات التعليم العالي والتربية مطالبة بإجراء دورات تثقيفية دورية لتحديث معلومات المعلمين حول أحدث الدراسات وسبل التعامل مع اضطراب «بنقص الانتباه مع فرط الحركة» حتى تكون مدارسنا ومنازلنا حاضنة للمبدعين مهما كانت «نقائصهم» أو حاجاتهم الذهنية أو الجسدية.

* كاتب كويتي متخصص في الإدارة

Email