الصراع بين ضفتي الأطلسي

ت + ت - الحجم الطبيعي

يتزايد الشعور لدى الدول الأوروبية بأنها هي من تدفع «الفاتورة الأكبر» للحرب الروسية- الأوكرانية، وليس هذا فحسب، فالكثير من مواطني القارة العجوز أصبح لديهم اتجاه يقول:

إن استمرار الحرب الروسية- الأوكرانية لن يؤدي إلى إضعاف روسيا، بل سيؤدي إلى تدمير أوروبا وخروجها من المعادلة الدولية، وتعميق تبعيتها وخضوعها الاقتصادي والعسكري للولايات المتحدة، التي تتربح من تلك الحرب، كما أن أكثر من يقلق الحريصين على العلاقة بين «ضفتي الأطلسي» هو «الجو المسمم» بين الجانبين الأمريكي والأوروبي.

فهذا الأمر لم يعد يقال فقط بين المواطنين الأوروبيين وكبار السن في المقاهي، لكن بات حديث السياسيين والزعماء الكبار أمثال المستشار الألماني أولاف شولتز، والرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون: ما هي أسباب التوتر بين ضفتي الأطلسي؟ وهل من بوادر لحل هذا الخلاف الذي يتعمق مع «الأنانية الأمريكية»، وجني واشنطن «المغانم»، وترك «المغارم» فقط للأوروبيين؟

ثمن باهظ

بينما تدفع أوروبا الثمن الأكبر للحرب الروسية- الأوكرانية من خلال ارتفاع التضخم، وتراجع النمو الصناعي، وخروج التظاهرات والإضرابات الفئوية، تزداد مكاسب الولايات المتحدة من تلك الحرب، فواشنطن التي كانت صادراتها صفراً من الغاز المسال لأوروبا في العام 2021 أصبحت الآن المورد الرئيسي للغاز المسال.

وباتت الحصة الأمريكية تزيد على 50% من واردات الغاز المسال للقارة الأوروبية، وبينما يطالب البيت الأبيض بوضع سقف لأسعار الغاز والنفط الروسي ترفض الولايات المتحدة تخفيض أسعار الغاز، التي توردها للأوروبيين، ولهذا فشلت كل محاولات الدعم من جانب دول الاتخاذ الأوروبي للسيطرة على أسعار الغاز الأمريكي، الذي تجاوزت أسعاره قدرات المستهلكين سواء كانوا عائلات أو مصانع.

إنفاق عسكري

كما يتهم الأوروبيون الولايات المتحدة بأنها تجني مليارات الدولارات نتيجة بيع مزيد من الأسلحة الأمريكية للدول الأوروبية، وهذا الأمر سيكون له تأثير كبير على دول رئيسية مثل ألمانيا، التي كان يقوم الرخاء الاقتصادي فيها على 3 أعمدة هي، الغاز الروسي الرخيص، وعدم الإسراف في الإنفاق العسكري، والوصول السهل للأسواق الآسيوية.

وفي مقدمتها السوق الصينية، ومع إطالة زمن الحرب باتت الولايات المتحدة المستفيد الوحيد من رفع الميزانيات العسكرية الأوروبية، فعلى سبيل المثال ستصل الميزانية العسكرية الألمانية في العام المقبل لنحو 50 مليار يورو، كما أن برلين وضعت خطة لتحديث الجيش الألماني بـ 100 مليار يورو.

كما حققت الحرب الروسية- الأوكرانية حلم الولايات المتحدة الأمريكية برفع مساهمة دول حلف الناتو في الشؤون الدفاعية والعسكرية لنحو 2% من الناتج القومي للدول الثلاثين، وتقول المؤشرات المعلنة لميزانيات الدفاع الأوروبية: إن ميزانيات الدفاع ستتجاوز هذه النسبة بكثير عام 2023، وقد تصل إلى 2.5 % في دول غرب أوربا، ونحو 4 % في دول أوربا الشرقية، وهو ما يتجاوز النسبة الأمريكية المعروفة بنحو 3.7 % من الناتج القومي، كما أن واشنطن بات لها الآن أكثر من 100 ألف جندي أمريكي في أوروبا، وهو ما يزيد الأعباء المالية على الدول التي تستضيف تلك القوات.

معالجة أزمات

القشة التي قصمت ظهر البعير هو قانون «خفض التضخم» الأمريكي، الذي يتضمن حزمة ضخمة لمعالجة أزمات الضرائب والمناخ والرعاية الصحية الأمريكية، ويهدد هذا القانون الصناعات الأوروبية، من خلال دعم واشنطن لمصانعها في حين أن أسعار الطاقة في أوروبا تساوي 4 أضعاف أسعار الطاقة الأمريكية، ما دفع الكثير من الصناعات الأوروبية خاصة كثيفة الطاقة للتفكير في الانتقال إلى الولايات المتحدة، وهي أسعار وصفها الرئيس ماكرون بأنها «غير ودودة وغير صديقة»، واضطر الرئيس الفرنسي لعقد اجتماع في قصر الإليزيه لحث رجال الصناعة على عدم مغادرة أوروبا. كل هذه الخلافات تهدد ليس فقط باندلاع «حرب تجارية» بين ضفتي الأطلسي، بل أسهمت في تغيير اتجاهات الرأي العام الأوروبي، الذي بات يدعم بقوة إنهاء هذه الحرب وفي أسرع وقت.

Email